للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان علم الله بالغا فيك، فصرت كالذئب يتبع الضّرغام إذا ما الليل دجا (١) أو أتى الصبح، يلتمس فاضل سؤره، وحوايا فريسته، ولكن لا نجاة من القدر، ولو بالحق أخذت لأدركت ما رجوت، وقد رشد من كان الحق قائده، فإن يمكن الله منك ومن ابن آكلة الأكباد (٢) ألحقتكما بمن قتله الله من ظلمة قريش على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وإن تعجزا وتبقيا بعدى، فالله حسبكا، وكفى بانتقامه انتقاما، وبعقابه عقابا، والسلام».

(شرح ابن أبى الحديد م ٤: ص ٦١)

٤٥٥ - كتاب الصلح بين علىّ ومعاوية

وتوافق الفريقان على أن يقيما حكمين بينهما، ويعملا بما يتفقان عليه، فأقام معاوية عمرو بن العاص حكما عنه، وأقام علىّ أبا موسى الأشعرىّ حكما عنه، - على كره منه أيضا- فاتفق الحكمان على أن يكتب بينهما كتاب بعقد الصلح، واجتمعا عند علىّ رضى الله عنه، وكتب كتاب القضية بينهما بحضرته، فكتب فيه بعد البسملة:

«هذا ما تقاضى عليه علىّ أمير المؤمنين». فقال عمرو: اكتب اسمه واسم أبيه،


فقال له الرجل: ما رأيت أجهل منك، ترى جنازة تسأل عنها أميت صاحبها أم حى! فسكت عنه شن، فأراد مفارقته فأبى الرجل أن يتركه حتى يصير به إلى منزله، فمضى معه، وكان للرجل بنت يقال لها طبقة، فلما دخل عليها أبوها سألته عن ضيفه، فأخبرها بمرافقته إياه وشكا إليها جهله وحدثها بحديثه، فقالت، يا أبت ما هذا بجاهل: أما قوله أتحملنى أم أحملك، فأراد أتحدثنى أم أحدثك حتى نقطع طريقنا؟ وأما قوله:
أترى هذا الزرع أكل أم لا، فأراد: أباعه أهله فأكلوا ثمنه أم لا؟ وأما قوله فى الجنازة، فأراد أترك عقبا يحيا بهم ذكره أم لا؟ فخرج الرجل فقعد مع شن فحادثه ساعة، ثم قال أتحب أن أفسر لك ما سألتنى عنه؟ قال: نعم، ففسره، قال شن: ما هذا من كلامك، فأخبرنى من صاحبه؟ قال: ابنة لى، فخطبها إليه فزوجه إياها وحملها إلى أهله، فلما رأوها قالوا: وافق شن طبقة، فذهبت مثلا يضرب للمتوافقين.
(١) دجا الليل: أظلم، والسؤر: البقية والفضلة، والحوايا: جمع حوية كقضية، وهى ما تحوى أى استدار من الأمعاء.
(٢) آكلة الأكباد: هى هند بنت عتبة أم معاوية، وذلك أنها بعد انتهاء غزوة أحد- وكان قد قتل فيها حمزة عم النبى صلى الله عليه وسلم كما قدمنا- بقرت بطنه وأخذت كبده لتأكلها، تشفيا منه وانتقاما لقتلى بدر- فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>