«قلّ من يسارع فى بذل الحق من نفسه، إذا كان الحق مضرّا به، وقلّ من يدع الاستعانة بالباطل، إذا كان فيه صلاح معاشه، وسبب مكتسبه، وإذا تفرّق الحق فى أيدى جماعة فطولبت به، تشابهت فى الكره لبذله، وتعاونت على دفعه ومنعه، بالحيل وبالشّبه، قولا وفعلا، واحتاج المبتلى باستخراج ذلك الحق من أيديها، إلى استعمال مجاهدتها، ومصابرتها على الحيلة فى مدافعتها».
(اختيار المنظوم والمنثور ١٢: ٢٦١)
[٣٣٢ - كتاب رجل إلى المأمون]
وكتب رجل كان فى حبس المأمون إليه لما طال حبسه:
«أغفلت يا أمير المؤمنين أمرى، وتناسيت ذكرى، ولم تتأمّل حجّتى وعذرى، وقد ملّ من صبرى الصبر، ومسّنى من حبسك الضّرّ».
[٣٣٣ - رد المأمون عليه]
فأجابه المأمون:
«ركوبك مطيّة الجهل، صيّرك أهلا للقتل، وبغيك علىّ وعلى نفسك، نقلك عن سعة الدنيا إلى قبر من قبور الأحياء، ومن جهل الشكر على المنن، قلّ صبره على المحن، فاصبر على عواقب هفواتك، وموبقات زلّاتك، على قدر صبرك على كثير جناياتك، فإن حصل فى نفسك كفّ عن معصيتى، وعزم على طاعتى، وندم على مخالفتى، فلن تعدم مع ذلك جميلا من نيّتى».