«تمّم الله علينا وعليك النعم، وأجزل لنا ولك محاسن صالح القسم، إن الله تبارك وتعالى أجرى بيننا وبينك لطيف مودّة، وخاصّ أخوّة، غير أن المعرفة قد تحمد بعد الخبرة، والثقة إنما تعرف بعد التجربة، وقد أحببت أن يعلم من قبلك الذى أحدث الله لك من حال دولتك، وأن يعلم: هل أبقت لنا منك النعمة سعة، أم تركت لنا منك صفحة نعرف بها عهدك، ونأمل بها وصلك، فإن أصحاب السلطان بحال بلوى فى التغيّر والانتقال، إلّا من نالته من الله تبارك وتعالى عصمة، فإن كنت على ما رجونا من الوفاء، وحسن الحفظ للمودّة والإخاء، فمثلك لم يرض لنفسه إلا بأجمل الأخلاق، وأوفقها للسّداد، وإن حجزك عن ذلك ما تأتى به الأقدار فى متصرّف الليل والنهار، نعذرك بما نعذر به أهل السلطان إذا غيّرتهم الحال، وتنكّرت شمائلهم بين الإخوان». (اختيار المنظوم والمنثور ١٢: ٢٦٤)
[٨٥ - كتابه إلى بعض إخوانه]
وله إلى بعض إخوانه أيضا:
«اعلم أنى إليك مشوق، وأن صلة الإخوان كرم، وخير الصّلات ما لم يكن لها وجه إلا الرجاء والحفظ وتجديد المودّة وتصحيح الإخاء، فإن الذى يكاتب إخوانه على حال الرغبة، يكفى القائل كتابه حيث شاء إن أحبّ مال به إلى الصحّة، وإن شاء وضعه للرغبة، والرّغبة أملكهما به، والذى يكاتب إخوانه على حال الضرورة، فقد يستقطع الصّلة عند الحدث مخافة الملامة من الناس على القطيعة الشّنعاء المشهورة لإخوانه، فإن الذى لا مودة له قد يصل ذلك فى تلك القطيعة بأهل البلاء.
والكتاب على مثل حالنا وحالك اليوم شاهد على أن ذلك ليس إلا صحّة الإخاء، والشوق إلى المحادثة بالكتاب، حين لا يلومك اللائمون لمنزلة البلاء تلك اللائمة على التقصير، ولا يوضع منك الرغبة فى الإطماع. إياك أن تعتلّ بالأشغال إن كنت