للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢١٦ - رد ابن الهيثم عليه]

فأجابه على بن الهيثم:

«قرأت كتابك الذى تتظرّف، وبجوابك عنه تتشرّف، ولولا ما نسبتنى إليه من الكبر ما كان له معنى، إن الله جعلنى فى أصل حرمك نيله، ولم يلبسك فضله، فلزمت الموضع الذى وضعنى الله به، جهله من جهله وعلمه من علمه، إذ أنت تنتقل من نسب إلى نسب، ومن أب إلى أب، بلا أصل ثابت، وما مثلك إلا مثل إبليس لمّا أذلّه الله لآدم عليه السلام، فأسجده وأبان فضله عليه، أحقده فخسر دنياه وآخرته، إذ كاده وكاد ولده، فلم يبلغ له من كيادته (١) أكثر من قيادته، والكسب الّلوم، والفعل المأثوم، وما تغنى أساطيرك وأقاويلك، فلو كنت بأصول أبيك وأمك تلفظ، أو عنها تنطق، لطال عليك أن تتكلم أو تعلم، فاشكر الله واشكر اللسان الذى انتحلته، ونبتّ به ولست من أهله، أمّا أنا فلم أعد ما كان عليه أبى من قوله فى نفسه، وشرفه فى رتبه، وأنا بموضع من الكتابة وفى الشرف من العمالة، وبمكان من أولاد الخلافة، أحلو فى قلوبهم، وأعذب فى ألسنتهم، وأتولّى الدواوين، وأخالط السلاطين، وأحكم فى أمر الدنيا والدين، وأنت لا تصلح لمعاش، ولا ترجى فى معاد، دنّس فعلك لئيم أصلك، تهحو العرب بلسانهم، وتفتخر عليهم بكلامهم فإذا أخذك عقاب الله بأيديهم، ووجب عليك حقّه فيهم، [اتخذت الإيمان، وابتذاله دينه (٢)] فحسبك ما أحببت من ذهاب آخرتك، ولؤم طبعك، ولو أردت قتلك لم أقتلك، أو أصل إلى قتلك، بأكرم من لؤم فعلك وأصلك؛ فافخر بهذا جوابا، على أنى لا أريك له أسبابا، والسلام على كل عاقل كريم سليم الأصل، ولرسول الله صلى الله عليه، والإسلام وأهله». (اختيار المنظوم والمنثور ١٣: ٤٢٢)


(١) الذى فى كتب اللغة أن مصدر كاد كيدا لا كيادة.
(٢) هكذا فى الأصل، والمعنى غير متسق، وأغلب الظن أنه قد سقط من الناسخ هنا كلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>