للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يروم تعزية أمير المؤمنين، ولا لمؤس (١) تأسية، إعظاما له عن ذلك، وتوفيرا لجلال منزلته، واكتفاء به فى ذلك بنفسه، مع الذى يحقّ على جميع المسلمين من الوقوف على مساماة فضله، والترقّى فى رفيع درجته، فعظّم الله على الحادث النازل أجره، وأحسن على الخلافة عونه، ثم لا وكله الله فى شىء من الأمور إلى نفسه، وألهمه العمل بما يرضيه، ويبلغ به تأدية حقّه فيما استرعاه واستحفظه، وجعله أهله وأحقّ به، والله فاعل ذلك إن شاء الله والسلام».

(اختيار المنظوم والمنثور ١٣: ٣١٠)

٩٨ - تعزية لغسان بن عبد الحميد عن خليفة (٢)

«أما بعد: فإن الله تبارك وتعالى جعل المقادير علما ثابتا عنده، وكتابا سابقا منه، فجرت عليه ومضت به الأمور فى قدرته، والعباد فى قبضته، وليس عبد من عبيده إلا وقد كان عمره فى الدنيا موظوفا قبل خلقه، وكان ما يصيبه منها مكتوبا عليه قبل أن ينزل به، ثم جعل أهل عبادته أهل حظوظ متكاملة فى السعادة، وأهل فضائل متظاهرة فى الكرامة، فاصطفى منهم أنبياءه، وانتجب (٣) منهم خلفاءه، وألزمهم على ذلك الموت الذى لابدّ منه، وجعله الحياة لهم فيما عنده، فكانت وقاة من توفّى (٤) منهم له سعادة فيما يصيّرهم إليه، وحياة من أحيا منهم له كرامة فيما يصطنعهم له، فيمضى الأول منهم سعيدا، ويبقى الباقى منهم مصطنعا، فلا تنقطع الدنيا بماضيهم إلا إلى خير منها، ولا يبقى باقيهم إلا ليزداد خيرا فيها، قد أخذوا من الله بأسباب أصلح لهم بها معادهم فى آخرتهم، وحفظ لهم بها دنياهم فى محياهم، يعرف حقّ الميت منهم بعد موته، كما كان يعرف حقّه فى حياته، ويعظّم حقّ الحىّ منهم للمنزل الذى أنزله الله به.


(١) أساه تأسية: عزاه.
(٢) أرى أن هذه الرسالة تعزية من غسان للمهدى عن أبيه المنصور.
(٣) أى اختار
(٤) عائد الموصول محذوف: أى من توفاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>