للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣٣٧ - رد المأمون عليه]

فكتب إليه المأمون:

«أما بعد، فقد بلغنى كتابك فيما سألت من الهدنة، ودعوت إليه من الموادعة، وخلطت فيه من اللّين والشدة، مما استعطفت به من سراح (١) المتاجر، واتّصال المرافق، وفكّ الأسارى، ورفع القتل والقتال، فلولا ما رجعت إليه من إعمال التّؤدة، والأخذ بالحظّ فى تقليب الفكرة، وألّا أعتقد الرأى فى مستقبله إلّا فى استصلاح ما أوثره فى معتقبه، لجعلت جواب كتابك خيلا تحمل رجالا من أهل البأس والنّجدة والبصيرة، ينازعونكم عن ثكلكم (٢)، ويتقرّبون إلى الله بدمائكم، ويستقلّون فى ذات الله ما نالهم من ألم شوكتكم، ثم أوصل إليهم من الأمداد، وأبلغ لهم كافيا من العدّة والعتاد (٣)، هم أظمأ إلى موارد المنايا، منكم إلى السلامة، من مخوف معرّتهم عليكم، موعدهم إحدى الحسنيين: عاجل غلبة، أو كريم منقلب، غير أنى رأيت أن أتقدّم إليك بالموعظة التى يثبت الله بها عليك الحجّة، من الدعاء لك، ولمن معك إلى الوحدانية، والشريعة الحنيفيّة (٤)، فإن أبيت ففدية توجب ذمّة، وتثبت نظرة (٥)، وإن تركت ذلك ففى يقين المعاينة لنعوتنا ما يغنى عن الإبلاغ فى القول، والإغراق فى الصفة، والسلام على من اتبع الهدى». (كتاب بغداد لابن طيفور ٦: ٢٨٥ وتاريخ الطبرى ١٠: ٢٨٣)


(١) فى الأصل «شرح» وأراه محرفا والصواب «سراح» وهو التسهيل، اسم من التسريح.
(٢) الثكل: الموت والهلاك.
(٣) العتاد: العدة.
(٤) الحنيفية: ملة الإسلام، وفى الحديث. «أحب الأديان إلى الله الحنيفية السمحة» وبوصف به فيقال: ملة حنيفية، والدين الحنيف: الإسلام، والحنيف: الصحيح الميل إلى الإسلام، الثابت عليه، مشتق من الحنف بالتحريك وهو: الاستقامة، والميل، فمعناه على الأول: المستقيم الدين، وعلى الثانى لمائل إلى الدين المستقيم.
(٥) النظرة: التأخير.

<<  <  ج: ص:  >  >>