للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٨٠ - كتاب أبى على البصير إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان]

وكتب أبو على البصير (١) إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان:

«وإن أمير المؤمنين لمّا استخلصك لنفسه، وأتمنك على رعيّته، فنطق بلسانك وأخذ وأعطى بيدك، وأورد وأصدر عن رأيك، وكان تفويضه إليك بعد امتحانه إياك، وتسليطه الحقّ على الهوى فيك، وبعد أن ميّل (٢) بينك وبين الذين سموا لمرتبتك، وجروا إلى غايتك، فأسقطهم مضمارك (٣)، وخفّوا فى ميزانك، ولم يزدك- أكرمك الله- رفعة وتشريفا، إلّا ازددت له هيبة وتعظيما، ولا تسليطا وتمكينا، إلا زدت نفسك عن الدنيا عزوفا (٤) وتنزيها، ولا تقريبا واختصاصا، إلا ازددت بالعامة رأفة، وعليها حدبا (٥)، لا يخرجك فرط النّصح له عن النظر لرعيته، ولا إيثار حقّه، عن الأخذ بحقّها عنده، ولا القيام بما هو له عن تضمّن ما هو عليه، ولا يشغلك معاناة كبار الأمور عن تفقّد صغارها، ولا الجدّ فى إصلاح ما يصلح منها عن النظر فى عواقبها، تمضى ما كان الرشد فى إمضائه، وترجئ (٦) ما كان الحزم فى إرجائه، وتبذل ما كان الفضل فى بذله، وتمنع ما كانت المصلحة فى منعه، وتلين فى غير تكبّر، وتخصّ فى غير ميل، وتعمّ فى غير تصنّع، لا يشقى بك المحقّ وإن كان عدوّا، ولا يسعد بك المبطل وإن كان وليّا، فالسلطان يعتدّ لك من الغناء (٧) والكفاية، والذّبّ والحياطة، والنصح والأمانة، والعفّة والنزاهة، والنّصب فيما أدّى


(١) هو أبو على الضرير «الفضل بن جعفر»، شاعر بليغ مترسل. وهو أحد من جمع له حظ البلاغة فى الموزون والمنثور، وكان بينه وبين أبى العيناء مهاجاة ومكاتبات طيبة- انظر الفهرست لابن النديم ص ١٧٨، ووفيات الأعيان ١: ٥٠٤، وزهر الآداب ١: ٣٤٠.
(٢) التمييل بين الشيئين كالترجيح بينهما، وفى الأصل «مثل».
(٣) المضمار: غاية الفرس فى السباق.
(٤) عزفت نفسه عنه كضرب عزوفا: زهدت فيه وانصرفت عنه.
(٥) حدب عليه كفرح: عطف.
(٦) أرجأه: أخره.
(٧) الغناء: الكفاية.

<<  <  ج: ص:  >  >>