للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفزعه صغير القنابر (١)؟ أم هل سمعت بذئب أكله خروف؟ فامض الآن لطيّتك (٢)، واجهد جهدك (٣)، فلست أنزل إلا بحيث تكره، ولا أجتهد إلا فيما يسوءك، وستعلم أيّنا الخاضع لصاحبه، الطالع إليه، والسلام».

(شرح ابن أبى الحديد م ٤: ص ٦٨)

[٢٩ - رد معاوية على زياد]

فلما ورد كتاب زياد على معاوية غمّه وأحزنه (٤)، ثم كتب إليه مع المغيرة ابن شعبة:


(١) البازى: واحد البزاة التى تصيد، ضرب من الصقور، القبر كسكر: ضرب من العصافير واحدته قبرة والقنبراء بضم الباء وفتحها لغة فيها والجمع القنابر، والعامة تقول القنبرة بالضم، وقد جاء ذلك فى الرجز* جاء الشتاء واجثأل القنبر* (اجثأل الطائر: نقش ريشه).
(٢) الطية: الناحية، والحاجة والوطر، فهى تكون منزلا وتكون منتوى، ومضى لطيته أى لوجهه وقصده الذى يريده ولنيته التى انتواها.
(٣) الجهد بالفتح ويضم: الطاقة، واجهد جهدك: ابلغ غايتك.
(٤) روى ابن أبى الحديد قال: «وبعث إلى المغيرة بن شعبة فخلابه وقال: يا مغيرة، إنى أريد مشاورتك فى أمر أهمنى، فانصحنى فيه وأشر على برأى المجتهد، وكن لى أكن لك، فقد خصصتك بسرى وآثرتك على ولدى، قال المغيرة: فما ذاك؟ والله لتجدنى فى طاعتك أمضى من الماء فى الحدور، ومن ذى الرونق فى كف البطل الشجاع، قال: يا مغيرة إن زيادا قد أقام بفارس يكش لنا كشيش الأفاعى (كشيش الأفعى: صوتها من جلدها لا من فيها، وفعله كضرب) وهو رجل ثاقب الرأى ماضى العزيمة جوال الفكر مصيب إذا رمى، وقد خفت منه الآن ما كنت آمنه إذ كان صاحبه حيا، وأخشى ممالأته حسنا فكيف السبيل إليه، وما الحيلة فى إصلاح رأيه؟ قال المغيرة: أنا له إن لم أمت، إن زيادا رجل يحب الشرف والذكر وصعود المنابر، فلولا طفته المسألة وألنت له الكتاب، لكان لك أميل وبك أوثق، فاكتب إليه وأنا الرسول، ورحل المغيرة بالكتاب حتى قدم فارس، فلما رآه زياد قربه وأدناه ولطف به فدفع إليه الكتاب فجعل يتأمله ويضحك، وكان مما قاله له المغيرة: دع عنك اللجاج يرحمك الله وارجع إلى قومك وصل أخاك وانظر لنفسك ولا تقطع رحمك، قال زياد: إنى رجل صاحب أناة، ولى فى أمرى روية، فلا تعجل على ولا تبدأنى بشىء حتى أبدأك» وقال صاحب العقد: (٣: ٣) وكان المغيرة لزياد صديقا، وذلك أن زيادا كان أحد الشهود الأربعة الذين شهدوا على المغيرة (أى بالزنا) وهو الذى تلجلج فى شهادته عند عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فنجا المغيرة وجلد الثلاثة من الشهود وفيهم أبو بكرة أخو زياد ...
قال زياد للمغيرة: أشر على وارم الغرض الأقصى، فإن المستشار مؤتمن، قال أرى أن تصل حبلك بحبله وتسير إليه وتعير الناس أذنا صماء وعينا عمياء ... وقد عمل بمشورة المغيرة وسار إلى معاوية.

<<  <  ج: ص:  >  >>