وقال أحمد بن يحيى المرتضى فى كتابه «المنية والأمل»:
كتب الحجاج إلى الحسن البصرى:«بلغنا عنك فى القدر شىء فاكتب إلينا» فكتب إليه رسالة طويلة نحن نذكر منها أطرافا:
منها قوله:«سلام عليك أما بعد: فإن الأمير أصبح فى قليل من كثير مضوا، والقليل من أهل الخير مغفول عنهم، وقد أدركنا السّلف الذين قاموا لأمر الله، واستنّوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلم يبطلوا حقّا، ولا ألحقوا بالربّ تعالى إلا ما ألحق بنفسه. ولا يحتجّون إلا بما يحتجّ الله تعالى به على خلقه، وقوله الحق «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» ولم يخلقهم لأمر ثم حال بينهم وبينه، لأنه تعالى ليس بظلّام للعبيد، ولم يكن أحد فى السّلف يذكر ذلك ولا يجادل فيه، لأنهم كانوا على أمر واحد، وإنما أحدثنا الكلام فيه لمّا أحدث الناس النّكرة له، فلمّا أحدث المحدثون فى دينهم ما أحدثوه، أحدث الله للمتمسكين بكتابه ما يبطلون به المحدثات، ويحذّرون به من المهلكات.
ومنها قوله: فافهم أيها الأمير ما أقوله، فإن ما ينهى الله عنه فليس منه، لأنه لا يرضى ما يسخطه من العباد، لأنه تعالى يقول:«وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ» فلو كان الكفر من قضائه وقدره لرضى عمن عمله.
ومنها قوله: ولو كان الأمر كما قال المخطئون لما كان لمتقدّم حمد لما عمل، ولا على متأخر لوم، ولقال تعالى:«جزاء بما عملت أيديهم» ولم يقل: «جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ».*
ومنها قوله: «إن أهل الجهل قالوا: إن الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء، ولو نظروا إلى ما قبل الآية وما بعدها، لتبيّن لهم أن الله تعالى لا يضل إلّا بتقدّم الفسق