للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- رحمك الله- إلى حقن الدماء، ولمّ الشّعث (١)، وجمع الكلمة، وصلاح ذات البين، قبل تفاقم الأمر، وانتشار الأمة، فقد أصبح الناس على شفا جرف هار (٢)، عمّا قليل ينهار إن لم يرأب، فشمّر لتأليف الأمة وابتغ إلى ربك سبيلا، فقد أحكمت الأمر من قبلى لك ولصاحبك على أن الأمر للمقدّم، ثم لصاحبه من بعده، جعلك الله من أئمّة الهدى، وبغاة الخير والتقوى، والسلام».

[٣٣١ - كتاب معاوية إلى مروان]

وكتب إلى مروان بن الحكم:

«أما بعد: فقد وصل إلىّ كتابك بشرح خبر أمير المؤمنين، ومار كبوه به، ونالوه منه، جهلا بالله، وجراءة عليه، واستخفافا بحقه، ولأمانىّ لوّح الشيطان بها فى شرك الباطل، ليدهدههم (٣) فى أهويّات الفتن، ووهدات الضلال، ولعمرى لقد صدق عليهم إبليس ظنّه، ولقد اقتنصهم (٤) بأنشوطة فخّه، فعلى رسلك (٥) أبا عبد الله تمشى الهوينى وتكون أوّلا، فإذا قرأت كتابى هذا فكن كالعهد لا يصطاد إلا غيلة (٦)، ولا يتشازر إلا عن حيلة، وكالثعلب لا يفلت إلا روغانا، وأخف نفسك منهم إخفاء القنفذ رأسه عند لمس الأكفّ، وامتهن (٧) نفسك امتهان من ييأس القوم من نصره وانتصاره، وابحث عن أمورهم بحث الدّجاجة عن حبّ الدّخن عند فقاسها (٨)، وأنغل (٩) الحجاز، فإنى منغل الشام، والسلام».


(١) الشعث: انتشار الأمر.
(٢) شفا: أى حرف، وهار الجرف هورا كقال: انصدع ولم يسقط، فهو هار- وهو مقلوب هائر- فإذا سقط فقد انهار، ويرأب: يصلح.
(٣) دهده الحجر فتدهده: دحرجه فتدحرج، والأهوية: الهوة.
(٤) فى الأصل «اقتضهم» وهو تحريف، وصوابه «اقتضهم» بدليل ما بعده- واقتض المرأة:
افترعها- والأنشوطة: عقدة يسهل انحلالها.
(٥) أى على مهلك وتؤدتك.
(٦) الغيلة: الاغتيال، وتشازر القوم: نظر بعضهم إلى بعض شزرا، والشزر: النظر بمؤخر العين، وأكثر ما يكون النظر الشزر فى حال الغضب.
(٧) امتهنه: احتقره وابتذله.
(٨) الذى فى كتب اللغة «فقس» فقس الطائر بيضه فقسا: كسرها وأخرج ما فيها.
(٩) أى أفسده عليهم، نغل الأديم كفرح: فسد فى الدباغ، وأنغله: أفسده.

<<  <  ج: ص:  >  >>