للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٨٨ - رد المهلب على الحجاج]

فكتب إليه المهلب:

«أما بعد، فقد بلغنى كتاب الأمير، وكلّ ما فيه قد فهمت، ولست أرى أن أقاتلهم ما داموا يقتل بعضهم بعضا وينقص بعضهم عدد بعض، فإن تمّوا (١) على ذلك فهو الذى نريد، وفيه هلاكهم، وإن اجتمعوا لم يجتمعوا إلا وقد رقّق (٢) بعضهم بعضا، فأناهضهم على تفئة (٣) ذلك، وهم أهون ما كانوا، وأضعفه شوكة إن شاء الله والسلام» (٤) فكف عنه الحجاج.

(تاريخ الطبرى ٧: ٢٧)


(١) يقال: تم على الأمر وتمم عليه بإظهار الإدغام: أى استمر عليه.
(٢) رققه: جعله رقيقا. والمعنى أضعف بعضهم بعضا.
(٣) على تفئة ذلك: أى على إثره، وحكى فيه الهمز والبدل.
(٤) وهاك كلمة عما شجر بين الأزارقة من الخلاف والشقاق، وكان بعض ذلك من كيد المهلب وعظيم دهائه. قال أبو العباس: «وكان سبب اختلافهم أن رجلا حدادا من الأزارقة كان يعمل نصالا مسمومة، فيرمى بها أصحاب المهلب، فرفع ذلك إلى المهلب، فقال أنا أكفيكموه إن شاء الله فوجه رجلا من أصحابه بكتاب وألف درهم إلى عسكر قطرى، فقال: ألق هذا الكتاب فى عسكر قطرى واحذر على نفسك، وكان الحداد يقال له (أبزى) فمضى الرسول، وكان فى الكتاب: «أما بعد، فإن نصالك قد وصلت إلى، وقد وجهت إليك بألف درهم، فاقبضها، وزدنا من هذه النصال» فوقع الكتاب والدراهم إلى قطرى، فدعا بأبزى، فقال ما هذا الكتاب؟ قال: لا أدرى، قال: فهذه الدراهم؟ قال: ما أعلم علمها، فأمر به فقتل، فجاءه عبد ربه الصغير مولى بنى قيس بن ثعلبة فقال له: أقتلت رجلا على غير ثقة ولا تبين! فقال له: ما حال هذه الدراهم؟ قال: يجوز أن يكون أمرها كذبا، ويجوز أن يكون حقا، فقال له قطرى: قتل رجل فىّ صلاح الناس غير منكر، وللإمام أن يحكم بما رآه صلاحا. وليس للرعية أن تعترض عليه، فتنكر له عبد ربه فى جماعة ولم يفارقوه، فبلغ ذلك المهلب فدس إليه رجلا نصرانيا فقال له:
إذا رأيت قطريا فاسجد له، فإذا نهاك فقل إنما سجدت لك، ففعل النصرانى، فقال له قطرى: إنما السجود لله، فقال ما سجدت إلا لك، فقال له رجل من الخوارج: قد عبدك من دون الله وتلا: «إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ» فقال قطرى: إن هؤلاء النصارى قد عبدوا عيسى بن مريم فما ضر ذلك غيسى شيئا، فقام رجل من الخوارج إلى النصرانى فقتله، فأنكر ذلك عليه وقال: أقتلت ذميا، (وكانوا يوصون بالنصرانى خيرا ويقولون: احفظوا ذمة نبيكم) فاختلفت الكلمة. فبلغ ذلك المهلب، فوجه إليهم رجلا يسألهم عن شىء تقدم به إليه فأتاهم الرجل فقال أرأيتم رجلين-

<<  <  ج: ص:  >  >>