للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٧٨ - رد عمرو بن العاص على عمر بن الخطاب]

فكتب إليه عمرو بن العاص:

«بسم الله الرحمن الرحيم: لعبد الله عمر أمير المؤمنين من عمرو بن العاص، سلام عليك، فإنى أحمد إليك الله الذى لا إله إلا هو، أما بعد: فقد بلغنى كتاب أمير المؤمنين، فى الذى استبطأنى فيه من الخراج، والذى ذكر فيه من عمل الفراعنة قبلى، وإعجابه من خراجها (١) على أيديهم، ونقص ذلك منها منذ كان الإسلام، ولعمرى للخراج يومئذ أوفر وأكثر، والأرض أعمر، لأنهم كانوا على كفرهم وعتوّهم أرغب فى عمارة أرضهم منّا منذ كان الإسلام، وذكرت أن النهر يخرج الدّرّ فحلبتها حلبا قطع درّها، وأكثرت فى كتابك وأنّبت وعرّضت وترّبت (٢)، وعلمت أن ذلك عن شئ تخفيه على غير خبر (٣)، فجئت لعمرى بالمفظعات المقذعات، ولقد كان لك فيه من الصواب من القول رسين صارم، بليغ صادق، وقد عملنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولمن بعده، فكنا بحمد الله مؤدّين لأماناتنا، حافظين لما عظّم الله من حق أئمتنا، نرى غير ذلك قبيحا والعمل به شينا، فيعرف ذلك لنا، ويصدق فيه قلبنا، معاذ الله من تلك الطّعم، ومن شر الشّيم، والاجتراء على كل مأثم، فاقبض عملك فإن الله قد نزّهنى عن تلك الطعم الدنيّة والرغبة فيها، بعد كتابك الذى لم تستبق فيه عرضا، ولم تكرم فيه أخا، والله يا بن الخطاب: لأنا حين يراد ذلك منى أشدّ لنفسى غضبا، ولها إنزاها (٤) وإكراما، وما عملت من عمل أرى علىّ فيه متعلّقا،


(١) أى من خراج مصر.
(٢) تربه: جعل عليه التراب، فتترب أى تلوث وتلطخ بالتراب.
والمعنى: وصمتنى بالمعايب والمثالب، وفى نسخة أخرى من حسن المحاضرة «ونزبت» من نزت الظبى كضرب إذا صوت. أقول: وربما كان الأصل «وتنزيت» أى توثبت وتسرعت.
(٣) أى خبرة ومعرفة، وفظع الأمر ككرم، وأفظع: اشتدت شناعته وجاوز المقدار فى ذلك وقذعه كمنعه، وأقذعه وأقذع له: رماه بالفحش وسوء القول، وقول مقذع بكسر الذال: فيه فحش وقذف وسب يقبح نشره.
(٤) أى إبعادا وتنحية عن القبائح.

<<  <  ج: ص:  >  >>