للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عددا وجلدا وقوة فى بر وبحر، وإنها قد عالجتها الفراعنة، وعملوا فيها عملا محكما مع شدة عتوّهم وكفرهم، فعجبت من ذلك، وأعجب مما عجبت أنها لا تؤدّى نصف ما كانت تؤدّيه من الخراج قبل ذلك على غير قحوط ولا جدب، ولقد أكثرت فى مكاتبتك فى الذى على أرضك من الخراج، وظننت أن ذلك سيأتينا على غير تريّث (١)، ورجوت أن تفيق فترفع إلىّ ذلك، فإذا أنت تأتينى بمعاريض (٢) تعبأ بها، لا توافق الذى فى نفسى، ولست قابلا منك دون الذى كانت تؤخذ به من الخراج قبل ذلك، ولست أدرى مع ذلك، ما الذى نفرّك من كتابى وقبضك، فلئن كنت مجرّبا كافيا صحيحا إن البراءة لنافعة، ولئن كنت مضيّعا نطعا (٣) إن الأمر لعلى غير ما تحدّث به نفسك، وقد تركت أن أبتلى (٤) ذلك منك فى العام الماضى، رجاء أن تفيق فترفع إلىّ ذلك، وقد علمت أنه لم يمنعك من ذلك إلّا عمّالك عمال السوء، وما توالس (٥) عليك وتلفّف، اتخذوك كهف، وعندى بإذن الله دواء فيه شفاء عما أسألك عنه، فلا تجزع أبا عبد الله أن يؤخذ منك الحق وتعطاه، فإن النهر يخرج الدّرّ، والحقّ أبلج (٦)، ودعنى وما عنه تلجلج، فإنه قد برح الخفاء، والسلام».

(حسن المحاضرة ١: ٦٤، وخطط المقريزى ١: ٧٨)


(١) التريث والريث: الابطاء، وفى حسن المحاضرة «تراث» وهو تحريف وقد أصلحته كما ترى، وفى خطط المقريزى «نزر» ونزر الشئ ككرم نزرا كشمس: قل.
(٢) التعريض: خلاف التصريح، والمعاريض: التورية بالشئ عن الشئ، والمعاريض من الكلام ما عرض به ولم يصرح، جمع معراض من التعريض، وأعراض الكلام، ومعارضه ومعاريضه: كلام يشبه بعضه بعضا فى المعانى، كالرجل تسأله: هل رأيت فلانا فيكره أن يكذب وقد رآه. فيقول إن فلانا ليرى، وفى حديث عمر: أما فى المعاريض ما يغنى المسلم عن الكذب! وقوله: تعبأ بها: أى أنت تعبأ بها وتظنها مما يقبل لدى، ولكنها ليست عندى بشئ.
(٣) تنطع فى الكلام فهو متنطع وهو المتعمق فى الكلام المغالى فيه الذى يتكلم بأقصى حلقه تكبرا، قال ابن الأعرابى: النطع كعنق المتشدقون فى كلامهم، ولم أعثر له على مفرد، والظاهر أنه بصيغة واحدة للمفرد والجمع.
(٤) أى أمتحن، وفى حسن المحاضرة: «أبتغى».
(٥) الموالسة: الخداع والمداهنة، وتوالسوا عليه: أى تناصروا عليه فى خب وخديعة، ولفف:
جمع من هاهنا وهاهنا كما يلفف الرجل شهادة الزور، وفى حسن المحاضرة: «وما تواليت عليه وتلفف الجدول كهفا» وهو تحريف.
(٦) أى واضح مضئ مشرق من بلج الصبح كدخل إذا أضاء وأشرق، واللجلجة والتلجلج: التردد فى الكلام، وبرح الخفاء: أى وضح الأمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>