للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«أمّا قولكم: «اخرجوا من بلادنا، فلستم لها بأهل» فلعمرى ما كنا لنخرج منها، وقد دخلناها وورّثناها الله منكم، ونزعناها من أيديكم وإنما البلاد بلاد الله، والعباد عباده، وهو ملك الملوك، يؤتى الملك من يشاء، وينزع الملك ممّن يشاء، ويعزّ من يشاء ويذلّ من يشاء، وأمّا ما ذكرتم من بلادنا وزعمتم أنها بلاد البؤس والشقاء، فقد صدقتم، وقد أبدلنا الله بها بلادكم بلاد العيش الرّفيغ (١)، والسّعر الرّخيص، والفواكه الكثيرة، فلا تحسبونا بتاركيها، ولا منصرفين عنها، ولكن أقيموا لنا فو الله لا نجشّمكم إتياننا، ولنأتينّكم إن أقمتم لنا».

فكتبت إليك حين نهضت إليهم، متوكّلا على الله، راضيا بقضاء الله، واثقا بنصر الله، كفانا الله وإياك والمؤمنين مكيدة كل كائد، وحسد كل حاسد، ونصر الله أهل دينه نصرا عزيزا، وفتح لهم فتحا يسيرا، وجعل لهم من لدنه سلطانا نصيرا».

(فتوح الشأم ص ١٠٩)

[١٢٢ - رد عمر على أبى عبيدة]

فكتب إليه عمر رضى الله عنه:

«بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى أبى عبيدة ابن الجرّاح، سلام عليك، فإنى أحمد إليك الله الذى لا إله إلا هو، أما بعد: فإن كتابك جاءنى بنفير الروم إليك، ومنزلهم الذى نزلوا به، ورسالتهم التى أرسلوا، وبالذى رجعت إليهم فيما سألوك، وقد سددت بحجتك، وأوتيت رشدك، فإن أتاك كتابى هذا وأنتم الغالبون، فكثيرا ما نذكر من ربنا الإحسان إلينا وإليكم، وإن أتاكم وقد أصابكم نكب (٢)، أو قرح فلا تهنوا ولا تحزنوا ولا تستكينوا،


(١) الرفاغة والرفاغية: سعة العيش والخصب والسعة؛ وعيش أرفغ ورافغ ورفيغ: خصيب واسع طبب، وفعله ككرم، وفى الأصل «العيش الرفيع» بالعين، والمعنى عليه مستقيم، ولكنه بالغين أحسن.
(٢) النكب والنكبة: المصيبة. القرح: الجرح وعض السلاح ونحوه. وهن يهن: ضعف.

<<  <  ج: ص:  >  >>