للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢٥٦ - من كتاب عن المعتضد إلى خمارويه بن أحمد ابن طولون]

ولما حملت قطر النّدى بنت خمارويه بن أحمد بن طولون إلى المعتضد (١)، كتب معها أبوها يذكّره بخدمة سلفها (٢)، ويذكر ما ترد عليه من أبّهة الخلافة، وجلالة الخليفة، وسأل إيناسها وبسطها، فبلغت من قلب المعتضد لمّا زفّت إليه مبلغا عظيما، وسرّ بها غاية السرور، وأمر الوزير أبا القاسم عبيد الله بن سليمان بن وهب بالجواب عن الكتاب، فأراد أن يكتبه بخطه، فسأله أبو الحسين بن ثوابة أن يؤثره بذلك ففعل وغاب أياما، وأتى بنسخة يقول فى فصل منها:

«وأمّا الوديعة فهى بمنزلة شىء انتقل من يمينك إلى شمالك، عناية بها، وحياطة عليها، ورعاية لمودّتك فيها».

ثم أقبل على عبيد الله يعجب من حسن ما وقع له من هذا، وقال: تسميتى لها بالوديعة نصف البلاغة، فقال عبيد الله: ما أقبح هذا! تفاءلت لامرأة زفّت إلى صاحبها بالوديعة، والوديعة مستردّة، وقولك: من يمينك إلى شمالك أقبح، لأنك جعلت أباها اليمين، وأمير المؤمنين الشّمال، ولو قلت على حال:

«وأما الهدية فقد حسن موقعها منا، وجلّ خطرها عندنا، وهى- وإن بعدت عنك- بمنزلة ما قرب منك، لتفقّدنا لها، وأنسنا بها، ولسرورها بما وردت عليه، واغتباطها بما صارت إليه لكان أحسن، فنفذ الكتاب».

(زهر الآداب ٢: ٢٨٩)


(١) هو أبو العباس أحمد بن الموفق طلحة بن المتوكل، ولى الخلافة سنة ٢٧٩، وتوفى سنة ٢٨٩ وولى خمارويه ملك مصر بعد وفاة أبيه سنة ٢٧٠ وقتل سنة ٢٨٢.
(٢) كان جدها طولون مملوكا للمأمون، وأصله من بخارى من قبائل التركستان، أهداه إلى المأمون عامله ابن أسد الصمامى فى جملة من أرسلهم إليه سنة ٢٠٠ هـ وقد أعجب به المأمون فألحقه بحاشيته، ومازال يرقيه حتى جعله رئيس حرسه، ولقبه بأمير الستر- وهو منصب لم يكن يناله إلا من كان للخليفة ثقة خاصة بأمانته وإخلاصه، ليكون محافظا على حياته الشخصية- وكان فى عهد المعتصم رئيس بطانته من المماليك.

<<  <  ج: ص:  >  >>