للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبينما مصر يا أمير المؤمنين لؤلؤة بيضاء، إذا هى عنبرة سوداء، فإذا هى زمرّدة خضراء، فإذا هى ديباجة رقشاء (١)، فتبارك الله الخالق لما يشاء، والذى يصلح هذه البلاد وينمّيها، وبقرّ قاطنيها فيها، ألّا يقبل قول خسيسها فى رئيسها، وألّا يستادى (٢) خراج ثمرة إلا فى أوانها، وأن يصرف ثلث ارتفاعها فى عمل جسورها وترعها، فإذا تقرّر الحال مع العمال على هذه الأحوال، تضاعف ارتفاع المال، والله تعالى يوفّق فى المبدإ والمآل».

فلما ورد الكتاب على عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: لله درّك يا بن العاص! لقد وصفت لى خبرا كأنى أشاهده.

(النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة ١: ٣٢)

[١٦٩ - كتاب معاوية إلى عمر]

وألحّ معاوية على عمر فى غزو البحر، وكتب إليه كتابا يرغّبه فيه، ويقول:

«يا أمير المؤمنين، إن بالشأم قرية يسمع أهلها نباح كلاب الروم، وصياح ديوكهم، وهم تلقاء ساحل من سواحل حمص (٣)».


(١) الديباجة: الخد، والرقشاء المنقطة بسواد وبياص، يصف بذلك طريقة إرواء الحياص التى كانت مستعملة فى ذلك العهد (وما زالت حتى اليوم فى أعالى الصعيد) إذ تطلق المياه فى الحياض فتغمر الأرض فتبين كأنها لؤلؤة بيضاء، ثم تصفى مئها وقد رسب على وجهها ما حملته المياه من الغرين الأسود (والغرين: كأمير ودرهم: الطين) فتبدو كأنها عنبرة سوداء، ثم ينبت فيها الزرع الأخضر وينمو، فكأنها زمرذة خضراء، ثم يتلون بألوانه المختلفة فتظهر كأنها صفحة رقشاء، وقد جاء فى خطط المقريزى (١: ٢٦).
«ووصف بعضهم مصر فقال: ثلاثة أشهر لؤلؤة بيضاء، وثلاثة أشهر مكة سوداء، وثلاثة أشهر زمرذة خضراء، وثلاثة أشهر سبيكة ذهب حمراء، فأما اللؤلؤة البيضاء فإن مصر فى أشهر أبيب ومسرى وتوت يركبها الماء فترى الدنيا بيضاء، وضياعها على روابى وتلال مثل الكواكب قد أحيطت بالمياه من كل وجه، فلا سبيل إلى قرية من قراها إلا فى الزوارق، وأما المكة السوداء فإن فى أشهر بابه وهاتور وكيهك ينكشف الماء عن الأرض فتصير أرضا سوداء، وفى هذه الأشهر تقع الزراعات، وأما الزمرذة الخضراء فإن فى أشهر طوبة وأمشير وبرمهات يكثر نبات الأرض وربيعها فتصير خضراء كأنها زمرذة، وأما السببكة الحمراء فإن فى أشهر برمودة وبشنس وبئونه يتورد العشب ويبلع الزرع الحصاد، فيكون كالسبيكة التى من الذهب منظرا ومنفعة»
(٢) أى يطلب إليه أداءه.
(٣) يعنى جزيرة «قبرس» وقد عزاها معاوية وفتحها فى خلافة عثمان سنة ٢٨ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>