«أما بعد: أخبر أمير المؤمنين- أكرمه الله- أن الروم نفرت إلى المسلمين برّا وبحرا، ولم يخلّفوا وراءهم رجلا يطيق حمل السلاح إلّا جاشوا به، وأخرجوا معهم القسّيسين والأساقفة، ونزلت إليهم الرّهبان من الصوامع، واستجاشوا بأهل أرمينية، وأهل الجزيرة، وجاءونا وهم نحو من أربعمائة ألف رجل، وإنه لما بلغنى ذلك من أمرهم كرهت أن أغرّ المسلمين من أنفسهم، أو أكتمهم ما بلغنى عنهم، فكشفت لهم عن الخبر، وشرحت لهم عن الأمر، وسألتهم عن الرأى، فرأى المسلمون أن يتنحّوا (١) إلى أرض من أرض الشام، ثم يضم إلينا أطرافنا وقواصينا، وتكون بذلك المكان جماعتنا حتى يقدم علينا من قبل أمير المؤمنين المدد لنا، فالعجل العجل يا أمير المؤمنين بالرجال بعد الرجال، وإلّا فاحتسب أنفس المؤمنين إن هم أقاموا، ودينهم منهم إن هم تفرقوا، فقد جاءهم ما لا قبل لهم به، إلّا أن يمدهم الله بملائكته، أو يأتيهم بغياث من قبله، والسلام عليك».
(فتوح الشأم ص ١٦٠)
[١٣٧ - رد عمر على أبى عبيدة]
فكتب عمر إلى أبى عبيدة:
«أما بعد: فقد قدم علىّ أخو ثمالة بكتابك يخبرنى فيه بنفير الروم إلى المسلمين برّا وبحرا، وبما جاشوا عليكم من أساقفتهم وقسّيسهم ورهبانهم، وإن ربنا المحمود عندنا، والصانع لنا، والعظيم ذا المنّ والنعمة الدائمة علينا، قد رأى مكان هؤلاء الأساقفة والرهبان حيث بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحقّ، وأعزه بالنّصرة، ونصره بالرعب على عدوه، وقال- وهو لا يخلف الميعاد: «هو الّذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون» فلا تهولنّك كثرة