للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما جاءك منهم، فإن الله منهم برئ، ومن برئ الله منه كان قمنا (١) أن لا تنفعه كثرة، وأن يكله الله إلى نفسه ويخذله، ولا توحشك قلة المسلمين فى المشركين (٢) فإن الله معك، وليس قليلا من كان الله معه، فأقم بمكانك الذى أنت به حتى تلقى عدوك وتناجزهم، وتستظهر بالله عليهم، وكفى به ظهيرا ووليّا ونصيرا، وقد فهمت مقالتك: «احتسب أنفس المسلمين إن هم أقاموا، ودينهم إن هم تفرقوا، فقد جاءهم ما لا قبل لهم به، إلا أن يمدّهم الله بملائكته، ويأتيهم بغياث من قبله» وايم الله لولا استثناؤك بهذا لقد كنت أسأت، ولعمرى إن أقام (٣) لهم المسلمون وصبروا فأصيبوا، لما عند الله خير للأبرار. ولقد قال الله عز وجل: «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ (٤) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا»، فطوبى (٥) للشهداء، وإنّ لمن عقل عن الله ممن معك من المسلمين لأسوة بالمصرّعين حول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مواطنه، فما عجز الذين قاتلوا فى سبيل الله، ولا هابوا الموت فى جنب الله، ولا وهن الذين بقوا من بعده، ولا استكانوا لمصيبتهم، ولكنهم تأسّوا بهم، وجاهدوا فى الله من خالفهم منهم، وفارق دينهم، ولقد أثنى الله على قوم بصبرهم فقال: «وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ (٦) كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ. فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» فأما ثواب الدنيا فالغنيمة والفتح، وأما ثواب الآخرة فالمغفرة والجنة.

واقرأ كتابى هذا على الناس، ومرهم فليقاتلوا فى سبيل الله، وليصبروا كيما يؤتيهم الله ثواب الدنيا، وحسن ثواب الآخرة.


(١) القمين كأمين، والقمن ككتف وجبل: الخليق الجدير (والمحركة لا تثنى ولا تجمع).
(٢) أى فى جنب المشركين.
(٣) فى الأصل «أقاموا» وهو تحريف.
(٤) النحب: الأجل:
(٥) الطوبى: الحسنى والخير.
(٦) قيل الربيون: العلماء الأتقياء الصبر، وقيل: الجماعات الكثيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>