«ترجمة على بن أبى طالب». ص ٩. قلت: «أما ما رواه أبو حيان التوحيدى عن القاضى أبى حامد بن بشر من تلك الرسالة التى زعم أن أبا بكر بعث بها إلى على حين تلكأ عن مبايعته على لسان أبى عبيدة بن الجراح، وما انضم إلى ذلك من المقال الذى حمله إياه عمر ليبلغه عليا إلى آخر ما ورد فى هذه القصة، فيشهد الله أنا ما بدأنا قراءتها حتى ساورتنا منها ريبة، ولم نأت عليها حتى تجسمت فى نظرنا تلك الريبة، واستيقنا أنها قصة موضوعة منحولة، لما غلب عليها من الصنعة البديعية البينة الأثر فى أسلوبها مما لم يعرف فى رسائل أبى بكر وعمر وخطبهما ولا فى كلام أحد من أهل هذا العصر، فضلا عما فيها من إسهاب مديد لم يعهد منهم، وإن ما تراه فيها من الفقر القصيرة المسجوعة المجنسة ليحملك على الاعتقاد بأنها شبيهة بنسج البديع الهمذانى وأضرابه من كتاب العصر الذى نشأ فيه أبو حيان (القرن الرابع). ولقد صدق حدسنا حين قرأنا تعليق ابن أبى الحديد شارح نهج البلاغة عليها (وسنورد لك كلمته) ثم إنك إذا تدبرت ما عزى إلى أبى حامد من قوله «هى والله من درر الحقاق المصونة، ومخبآت الصنادق فى الخزائن المحوطة، ومنذ حفظتها ما رويتها إلا للمهلبى فى وزارته، فكتبها عنى فى خلوة بيده عرفت أن هذا القول نفسه يحمل فى تضاعيفه تكذيبها. وكيف يقول عمر لعلى فى مستهل خلافة أبى بكر «تأمل لإخوان فارس وأبناء الأصفر، قد جعلهم الله جزرا لسيوفنا، ودريئة لرماحنا، ومرمى لطعاننا، وتبعا لسلطاننا» مع أن المسلمين فى ذلك الحين لم يكونوا قد بدءوا الفتوح، ولا غزوا الفرس والروم! أما كلمة ابن أبى الحديد عنها فهى قوله «الذى يغلب على ظنى أن هذه المراسلات والمحاورات والكلام كله مصنوع موضوع، وأنه من كلام أبى حيان التوحيدى لأنه لكلامه ومذهبه فى الخطابة والبلاغة أشبه وقد حفظنا كلام عمر ورسائله وكلام أبى بكر وخطبه فلم نجدهما يذهبان هذا المذهب، ولا يسلكان هذا السبيل فى كلامهما، وهذا كلام عليه أثر التوليد ليس يخفى، وأين أبو بكر وعمر من البديع وصناعة المحدثين؟ ومن تأمل كلام أبى حيان عرف أن هذا الكلام من ذلك المعدن خرج، ويدل عليه أنه أسنده-