للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٧٣ - كتاب هرثمة بن أعين إلى الرشيد]

وسار هرثمة إلى خراسان، وأنفذ ما عهد به إليه الرشيد، فلما حمل علىّ بن عيسى إلى الرشيد، كتب إليه كتابا يخبره ما صنع، ونسخته:

«بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد، فإن الله عزّ وجل لم يزل يبلى (١) أمير المؤمنين فى كل ما قلّده من خلافته، واسترعاه من أمور عباده وبلاده أجمل البلاء وأكمله، ويعرّفه فى كل ما حضره ونأى عنه، من خاصّ أموره وعامّها، ولطيفها (٢) وجليلها، أتمّ الكفاية، وأحسن الولاية، ويعطيه فى ذلك كلّه أفضل الأمنية، ويبلغه فيه أقصى غاية الهمة، امتنانا منه عليه، وحفظا لما جعل إليه، مما تكفّل بإعزازه وإعزاز أوليائه وأهل حقه وطاعته، فنستتمّ الله أحسن ما عوّده وعوّدنا، من الكفاية فى كل ما يؤدّينا إليه، ونسأله توفيقا لما نقضى به المفترض من حقّه فى الوقوف عند أمره، والاقتصار على رأيه.

ولم أزل- أعزّ الله أمير المؤمنين- مذ فصلت (٣) عن معسكر أمير المؤمنين، ممتثلا ما أمرنى به فيما أنهضنى له، لا أجاوز ذلك ولا أتعدّاه إلى غيره، ولا أتعرّف اليمن والبركة إلّا فى امتثاله، إلى أن حللت أوائل خراسان، صائنا للأمر الذى أمرنى أمير المؤمنين بصيانته وستره، لا أفضى ذلك إلى خاصّىّ ولا إلى عامّىّ، ودبّرت فى مكاتبة أهل: «الشاش وفرغانة (٤)». وخزلهما عن الخائن، وقطع طمعه وطمع من قبله عنهما، ومكاتبة من «ببلخ» بما كنت كتبت به إلى أمير المؤمنين وفسّرت له، فلما نزلت نيسابور عملت فى أمر الكور التى اجتزت عليها، بتولية


(١) الإبلاء: الإنعام والإحسان، يقال: أبلاه الله بلاء حسنا، وأبليته معروفا، قال زهير:
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم ... وأبلاهما خير البلاء الذى يبلو
(٢) لطف الشىء لطفا ولطافة ككرم: صغر ودق فهو لطيف.
(٣) فصل من البلد فصولا: خرج منه.
(٤) الشاش وفرغانة: كورتان وراء نهر سيحون متاخمتان للصين، وخزله كضربه: قطعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>