للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤٢٥ - كتاب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز]

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن: اكتب إلىّ يا أبا سعيد بذمّ الدنيا فكتب إليه:

«أما بعد يا أمير المؤمنين، فإن الدنيا دار ظعن وانتقال، وليست بدار إقامة على حال، وإنما أنزل إليها آدم عقوبة، فاحذرها، فإن الراغب فيها تارك، والغنى فيها فقير، والسعيد من أهلها من لم يتعرّض لها، إنها إذا اختبرها اللبيب الحاذق وجدها تذلّ من أعزّها، وتفرّق من جمعها، فهى كالسّمّ يأكله من لا يعرفه، ويرغب فيه من يجهله، وفيه والله حتفه، فكن فيها يا أمير المؤمنين كالداوى جراحه، يحتمى قليلا مخافة ما يكره طويلا، الصبر على لأوائها (١) أيسر من احتمال بلائها، واللبيب من حذرها ولم يغترّ بزينتها، فإنها غدّارة ختّالة (٢) خدّاعة، قد تعرضت بآمالها، وتزيّنت لخطّابها، فهى كالعروس، العيون إليها ناظرة، والقلوب عليها والهة، وهى- والّذى بعث محمدا بالحق- لأزواجها قاتلة، فاتق يا أمير المؤمنين صرعتها، واحذر عثرتها، فالرّخاء فيها موصول بالشدة والبلاء، والبقاء مؤدّ إلى الهلكة والفناء.

واعلم يا أمير المؤمنين أن أمانيّها كاذبة، وآمالها باطلة، وصفوها كدر، وعيشها نكد، وتاركها موفّق، والمتمسّك بها هالك غرق، والفطن اللبيب من خاف ما خوّفه الله، وحذر ما حذّره، وقدّر من دار الفناء إلى دار البقاء، فعند الموت يأتيه اليقين، الدنيا- والله يا أمير المؤمنين- دار عقوبة، لها يجمع من لا عقل له، وبها يغترّ من لا علم عنده، والحازم اللبيب من كان فيها كالمداوى جراحه، يصبر على مرارة الدواء لما يرجون من العافية، ويخاف من سوء عاقبة الدار، والدّنيا- وايم الله يا أمير المؤمنين-


(١) اللأواء: الشدة.
(٢) خداعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>