للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استحقاق العقوبة، فسبحان من جعلك تعفو عن المتعمّد، وتتجافى عن عقاب المصرّ، حتى إذا صرت إلى من هفوته بكر (١)، وذنبه نسيان، ومن لا يعرف الشكر إلا لك، ولا الإنعام إلا منك (٢)، هجمت عليه بالعقوبة.

واعلم- أيدك الله- أن شين غضبك علىّ كزين صفحك (٣) عنى، وأن موت ذكرى مع انقطاع سببى منك، كحياة ذكرى (٤) مع اتصال سببى بك، واعلم أن لك فطنة عليم، وغفلة كريم، والسلام.

(زهر الآداب ٢: ١٠٨)

[٥٩ - كتاب الجاحظ إلى أحمد بن أبى دواد]

وكتب الجاحظ إلى أحمد (٥) بن أبى دواد يستعطفه:

«ليس عندى- أعزّك الله- سبب، ولا أقدر على شفيع، إلّا ما طبعك الله عليه من الكرم والرّحمة والتأميل الذى لا يكون إلا من نتاج حسن الظن، وإثبات الفضل بحال المأمول، وأرجو أن أكون من العتقاء الشاكرين، فتكون خير


(١) فى الأصل «ذكر» وهو تحريف، والتصويب عن رسالة التربيع والتدوير أيضا (من الفصول المختارة) والبكر: أول كل شىء، وكل فعلة لم يتقدمها مثلها.
(٢) جاء فى رسالة التربيع والتدوير بعد ذلك: «ولا العلم إلا من تأديبك، ولا الأخلاق إلا من تقويمك، ولا يقصر فى بعض طاعتك إلا لما رأى من احتمالك، ولا نسى بعض ما يجب لك إلا لما داخله من تعظيمك، صرت تتوعد بالصرم».
(٣) أى فى مقدار الأثر، أى أن الأول شديد جدا كما أن الثانى عظيم جدا، وفى رسالة التربيع والتدوير قبل ذلك: «وأن منعك إذا منعت، فى وزن إعطائك إذا أعطيت، وأن عقابك على حسب ثوابك، وأن جزعى من حرمانك، فى وزن سرورى بفوائدك».
(٤) فى الأصل «ذكرك» وهو تحريف. وصوابها «ذكرى» كما يقتضيه السياق وكما وردت فى رسالة التربيع والتدوير، وقد كنت صححتها فى زهر الآداب قبل أن أقرأها فى تلك الرسالة، وهذا التشبيه كالتشبيه السابق أيضا.
(٥) من كبار أئمة المعتزلة، وكان مقربا من المأمون أثيرا عنده، ولما ولى المعتصم الخلافة جعله قاضى القضاة وخص به أحمد، حتى كان لا يفعل فعلا باطنا ولا ظاهرا إلا برأيه، وحسنت حاله عند الواثق فى خلافته، ثم فلج فى أول خلافة المتوكل، وتوفى سنة ٢٤٠ هـ- انظر ترجمته فى وفيات الأعيان ١: ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>