للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغشوا فيه أمورا انتهكوها عند ذهاب عقولهم، وسفه أحلامهم بلغت بهم الدم الحرام والفرج الحرام والمال الحرام. وقد أصبح جلّ من يصيب من ذلك الشراب يقول:

شربنا شرابا لا بأس به، ولعمرى إنّ ما حمل على هذه الأمور وضارع الحرام لباس شديد، وقد جعل الله عنه مندوحة وسعة من أشربة كثيرة طيّبة ليس فى الأنفس منها جائحة: الماء العذب الفرات، واللّبن، والعسل، والسويق، فمن انتبذ نبيذا فلا ينبذه إلا فى أسقية الأدم التى لازفت فيها، وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نبيذ الجرار والدّبّاء، والظروف المزفّتة، وكان يقول «كل مسكر حرام» فاستغنوا بما أحلّ الله عما حرّم، فإنا من وجدناه يشرب شيئا من هذه بعد ما تقدّمنا إليه، أوجعناه عقوبة شديدة، ومن استخفى فالله أشدّ عقوبة وأشدّ تنكيلا، وقد أردت بكتابى هذا اتخاذ الحجّة عليكم اليوم وفيما بعد اليوم، أسأل الله أن يزيد المهتدى منا ومنكم هدى، وأن يراجع بالمسىء منا ومنكم التوبة فى يسر وعافية، والسلام». (سيرة عمر لابن الجوزى ص ١٠١)

[٤١٣ - كتابه إلى ابنه عبد الملك]

وكتب عمر بن عبد العزيز فى العام الذى استخلف فيه إلى ابنه عبد الملك- وكان ابنه إذ ذاك بالمدينة-:

أما بعد، فإنّ أحقّ من تعاهدت بالوصية والنصيحة بعد نفسى أنت، وإنّ أحقّ من وعى ذلك وحفظه عنى أنت، إن الله- له الحمد- قد أحسن إلينا إحسانا كثيرا بالغا فى لطيف أمرنا وعامّته، وعلى الله إتمام ما غبر (١) من النعمة، وإياه نسأل العون على شكرها، فاذكر فضل الله عليك وعلى أبيك، ثم أعن أباك على ما قوى عليه وعلى ما ظننت أن عنده فيه عجزا عن العمل، فيما أنعم به عليه وعليك فى ذلك، فراع نفسك


(١) أى ما بقى.

<<  <  ج: ص:  >  >>