للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«لله أخى ما أنفس نفسه! وأبين دلائل الفضل عليه، وأقوى منّة (١) العقل فيه، وأوسع فى البلاغة ذرعه (٢)، وأرحب بها جنابه! يوجب على نفسه ما يجب له، ويحمل بكرمه فوق طاقته».

(زهر الآداب ١: ٣٣٣، ووفيات الأعيان ١: ٤٠٩، والفخرى ص ١٨٦)

[١٢٨ - كتاب يحيى بن خالد إلى ابنه الفضل]

ثم إن الرشيد قلّد الفضل بن يحيى خراسان، فتوجّه إليها وأقام بها مدّة وورد على الرشيد يوما كتاب صاحب البريد بخراسان- ويحيى بن خالد بين يديه- يذكر فيه أن الفضل بن يحيى متشاغل بالصيد وإدمان الّلذات عن النظر فى أمور الرعية، فلما قرأه الرشيد رمى به إلى يحيى وقال له: يا أبت اقرأ هذا الكتاب، واكتب إليه بما يردعه عن مثل هذا، فمدّ يده إلى دواة الرشيد، وكتب إلى الفضل على ظهر كتاب صاحب البريد:

«حفظك الله يا بنىّ، وأمتع بك، قد انتهى إلى أمير المؤمنين مما أنت عليه، من التشاغل بالصيد ومداومة اللذات، عن النظر فى أمور الرعية ما أنكره، فعاود ما هو أزين بك، فإنه من عاد إلى ما يزينه أو يشينه لم يعرفه أهل دهره إلّا به والسلام»:

وكتب فى أسفله هذه الأبيات:

انصب نهارا فى طلاب العلا ... واصبر على فقد لقاء الحبيب

حتى إذا الليل أتى مقبلا ... واستترت فيه وجوه الغيوب

فكابد الليل بما تشتهى ... فإنما الليل نهار الأريب (٣)

كم من فتى تحسبه ناسكا ... يستقبل الليل بأمر عجيب


(١) المنة: القوة.
(٢) أصل الذرع: بسط اليدين.
(٣) الأريب: العاقل.

<<  <  ج: ص:  >  >>