طمعنا لهم فى ذلك يا أمير المؤمنين، وطمعنا فيه لعامّتهم، ورجونا ألّا يعمل بهذا الأمر أحد إلا رزقه الله المتابعة فيه، والقوة عليه، فإن الأمر إذا أعان على نفسه جعل للقائل مقالا، وهيّأ للساعى نجاحا، ولا حول ولا قوة إلا بالله وهو ربّ الخلق، وولىّ الأمر يقضى فى أمورهم، يدبّر أمره بقدرة عزيزة، وعلم سابق، فنسأله أن يعزم لأمير المؤمنين على المراشد، ويحصّنه بالحفظ والثبات والسلام، ولله الحمد والشكر».
(اختيار المنظوم والمنثور ١٢: ١٨٢)
[٢٨ - الرسالة اليتيمة لابن المقفع]
وقال ابن طيفور فى اختيار المنظوم والمنثور أيضا:
ومن الرسائل المفردات اللّواتى لا نظير لها ولا أشباه، وهى أركان البلاغة، ومنها استقى البلغاء، لأنها نهاية فى المختار من الكلام، وحسن التأليف والنظام، والرسالة التى لابن المقفع اليتيمة، فإن الناس جميعا مجمعون أنه لم يعبر أحد عن مثلها، ولا تقدّمها من الكلام شىء قبلها، ولم نكتبها على تمامها لشهرتها وكثرتها فى أيدى الرّواة لها، فمن فصولها قوله فى صدرها:
«وقد أصبح الناس- إلا قليلا ممن عصم الله- مدخولين منقوصين، فقائلهم باغ، وسامعهم عيّاب؛ سائلهم متعنّت، ومجيبهم متكلّف، وواعظهم غير محقّق لقوله بالفعل، وموعوظهم غير سليم من الهزء والاستخفاف، ومستشيرهم غير موطّن نفسه على إنفاذ ما يشار به عليه، ومصطبر للحق مما يسمع، ومستشارهم غير مأمون على الغشّ والحسد، وأن يكون مهتا كاللسّتر، مشيعا للفاحشة، مؤثرا للهوى، والأمين منهم غير متحفّظ من ائتمان الخونة، والصّدوق غير محترس من حديث الكذبة، وذو الدين غير متورّع عن تفريط الفجرة، يتقارضون الثناء، ويترقبون الدّول، ويعيبون بالهمز، يكاد أحزمهم رأيا يلفته عن رأبه أدنى الرضا وأدنى