للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأدنى السّخط، ويكاد أمتنهم عودا أن تسحره الكلمة، وتسكره (١) اللّحظة، وقد ابتليت أن أكون قائلا، وابتليتم أن تكونوا سامعين، ولا خير فى القول إلا ما انتفع به، ولا ينتفع إلا بالصدق، ولا صدق إلا مع الرأى، ولا رأى إلا فى موضعه وعند الحاجة إليه، فإن خير القائلين من لم يكن الباطل غايته، ثم لزم القصد والصواب، وخير السامعين من لم يكن ذلك منه سمعة ولا رياء، ولم يتخذ ما يسمع عونا على دفع الهدى، ولا بلغة إلى حاجة دنيا، فإن اجتمع للقائل والسامع: أن يرزق القائل من الناس مقة وقبولا على ما يقوله، ويرزق السامع اتّعاظا بما يسمع فى أمر دنياه، وقد صلحت نيّاتهما فى غير ذلك، فعسى ذلك أن يكون من الخير الذى يبلغّه الله عباده، ويعجّل لهم من حسنة الدنيا ما لا يحرمهم (٢) من حسنة الآخرة، كما أن المريد بكلامه أن يعجب النّاس، قد يجتمع عليه: حرمان ما طلب مع سوء النية، وحمل الوزر، وقد وافقتم منى مسارعة فيما سألتمونى من غير معاودة فى أشباهه، ولكن استطال الناس فى جسيم أمورهم وإنفاذ الطوالع (٣)، ولم يبرح يطّلّع منى فى ذلك احتساب الخبر فيما بلغته القوة منى فى ذلك، طمعا فى أن ينفع الله بذلك من يشاء، فإنه ما يشاء يقع.

أمّا سؤالكم عن الزمان، فإن الزمان الناس، والناس رجلان: وال ومولّى عليه، والأزمنة أربعة على اختلاف حالات الناس.

فخيار الأزمنة: ما اجتمع فيه صلاح الراعى والرعية، فكان الإمام مؤدّيا إلى الرعية حقّهم فى الردّ عنهم، والغيظ على عدوهم، والجهاد من وراء بيضتهم، والاختيار لحكّامهم، وتولية صلحائهم، والتوسعة عليهم فى معايشهم، وإفاضة الأمن


(١) فى الأصل «وتنكره» وأراه محرفا.
(٢) فى كتب اللغة أن حرم يتعدى إلى اثنين فيقال: حرمه الشىء.
(٣) الطوالع: جمع طالع، وهو السهم الذى يجاوز الهدف ويقع وراءه، والمعنى: مجاوزتهم الحدود وتعدّيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>