للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيهم والمتابعة فى الحق (١) لهم، والعدل فى القسمة بينهم، والتقويم لاودهم، والأخذ لهم بحقوق الله عز وجل عليهم، وكانت الرعية مؤدّية إلى الإمام حقّه فى المودة والمناصحة والمخالطة، وترك المنازعة فى أمره، والصبر عند مكروه طاعته، والمعونة له على أنفسهم، والشّدة على من أخلّ بحقه وخالف أمره، غير مؤثرين فى ذلك آباءهم ولا أبناءههم، ولا لابسين (٢) عليه أحدا، فاذا اجتمع ذلك فى الإمام والرعية، تمّ صلاح الزمان، وبنعمة الله تتمّ الصالحات.

ثم إن الزمان الذى بليه: أن يصلح الإمام نفسه ويفسد الناس، ولا قوة بالإمام مع خذلان الرّعية ومخالفتهم وزهدهم فى صلاح أنفسهم، على أن يبلغ اذت نفسه فى صلاحهم، وذلك أعظم ما تكون نعمة الله على الوالى، وحجّة الله على الرعية بواليهم، فبالحرى أن يؤخذوا بأعمالهم، وما أخلقهم أن تصيهم فتنة أو عذاب أليم!

والزمان الثالث صلاح الناس وفساد الوالى، وهذا دون الذى قبله، فإن لولاة الناس يدا فى الخير والشر، ومكانا ليس لأحد، وقد عرفنا فيما يعتبر به أنّ ألف رجل كلّهم مفسد وأميرهم مصلح، أقلّ فسادا من ألف رجل كلّهم مصلح وأميرهم مفسد، والوالى إلى أن يصلح الله به الرعية أقرب من الرعية إلى أن يصلح الله بهم الوالى، وذلك لأنهم لا يستطيعون معاتبته وتقويمه، مع استطالته بالسلطان، والحميّة التى تعلوه.

وشر الزمان: ما اجتمع فيه فساد الوالى والرعية، وتلك كارثة (٣) لم يتقادم عهد كونها، ولم تعف عنكم آثارها، وكلّ هذه الطّباق من الشدة والرخاء فيما ببتلى الله عز وجل به عباده، بجزاء معدّ، وكلمة سابقة، قال الله عز وجل: «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ» فقولى فى هذا الزمان: إنه إلّا يكن خير


(١) فى الأصل «فى الخلق» وهو تحريف.
(٢) يقال: لبست القوم: أى تمليت بهم دهرا، قال الجعدى:
لبست أناسا فأفنيتهم ... وأفنيت بعد أناس أناسا
(٣) فى الأصل «كارهة» وهو تحريف، وقد أصلحت فى هامشه «كازمة» أى كاسرة مجتاحة من كرمه بمقدم فمه كضرب: أى كسره واستخرج ما فيه ليأكله.

<<  <  ج: ص:  >  >>