للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣٤ - كتاب معاوية إلى زياد]

فلما قرأ معاوية كتاب زياد إلى الحسن ضاقت به الشام، وكتب إلى زياد:

«أما بعد، فإن الحسن بن علىّ بعث إلىّ بكتابك إليه، جوابا عن كتاب كتبه إليك فى ابن أبى سرح، فأكثرت العجب منك، وعلمت أنّ لك رأيين، أحدهما من أبى سفيان، والآخر من سميّة، فأما الّذى من أبى سفيان فحلم وحزم، وأما الذى من سمية فما يكون من رأى مثلها، من ذلك كتابك إلى الحسن تشتم أباه وتعرض له بالفسق، ولعمرى إنك لأولى بالفسق من أبيه، فأمّا أن الحسن بدأ بنفسه ارتفاعا عليك، فإن ذلك لا يضعك لو عقلت، وأما تسلّطه عليك بالأمر فحقّ لمثل الحسن أن يتسلّط، وأمّا تركك تشفيعه فيما شفع فيه إليك، فحظّ دفعته عن نفسك إلى من هو أولى به منك، فإذا ورد عليك كتابى فخلّ ما فى يديك لسعيد بن أبى سرح، وابن له داره، واردد عليه ماله، ولا تعرّض له، فقد كتبت إلى الحسن «عليه السلام» أن يخيّره: إن شاء أقام عنده، وإن شاء رجع إلى بلده، ولا سلطان لك عليه لا بيد ولا لسان، وأما كتابك إلى الحسن «عليه السلام» باسمه واسم أمه، ولا تنسبه إلى أبيه، فإن الحسن ويحك من لا يرمى به الرّجوان (١)، وإلى أىّ أم وكلته لا أمّ لك؟


- وقد حدث أنه لما شهد الشهود بحضرة معاوية أن زيادا ينتسب إلى أبى سفيان، قام يونس بن عبيد الثقفى فقال: يا معاوية قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الولد للفراش وللعاهر الحجر، وقضيت أنت أن الولد للعاهر، وأن الحجر للفراش، مخالفة لكتاب الله تعالى وانصرافا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بشهادة أبى مريم على زنا أبى سفيان، فقال معاوية: والله يا يونس لتنتهين أو لأطيران بك طيرة بطيئا وقوعها، فقال يونس: هل إلا إلى الله ثم أقع؟ قال: نعم وأستغفر الله، فقال عبد الرحمن بن أم الحكم فى ذلك- ويقال إنه ليزيد بن مفرغ الحميرى:
ألا أبلغ معاوية بن حرب ... مغلغلة عن الرجل اليمانى
أتغضب أن يقال أبوك عفّ ... وترضى أن يقال أبوك زانى!
(مروج الذهب ٢: ٥٧).
(١) الرجوان: مثنى رجا كعصى: وهو ناحية البئر من أعلاها إلى أسفلها، ورمى به الرجوان:
استهين به واستهزئ كأنه رمى به رجوا بئر، أرادوا أنه طرح فى المهالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>