«أما بعد: فقد علمتم أنّ أهل السّنة كانوا يقولون: الاعتصام بالسّنة نجاة، وسينقص العلم نقصا سريعا، ومنه قول عمر بن الخطاب وهو يعظ: إنه لا عذر لأحد عبد الله بعد البيّنة بضلالة ركبها حسبها هدى، ولا فى هدى تركه حسبه ضلالة، فقد تبيّنت الأمور، وثبتت الحجّة، وانقطع العذر، فمن رغب عن أنباء النّبوّة وما جاء به الكتاب، تقطّعت من يده أسباب الهدى، ولم يجد له عصمة ينجو بها من الرّدى».
وبلغكم أنى أقول: إن الله قد علم ما العباد عاملون، فأنكرتم ذلك، وقد قال تعالى:«إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ» وقال: «وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ» وزعمتم فى قول الله: «فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ» أن المشيئة فى أى ذلك أحببتم: من ضلال أو هدى، والله يقول:«وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ» فبمشيئته لهم شاءوا، وقد حرصت الرسل على هدى الناس جميعا، فما اهتدى إلا من هداه الله وحرص إبليس على ضلالتهم جميعا، فما ضلّ منهم إلا من كان فى علم الله ضالّا، وأنكرتم أن يكون سبق لأحد من الله ضلالة أو هدى، وأنكم الذين هديتم أنفسكم من دون الله، وحجرتموها (١) عن المعصية بغير قوة من الله، ومن زعم ذلك منكم فقد غلا فى القول، لأنه لو كان شىء لم يسبق فى علم الله وقدره، لكان الله فى ملكه شريك تنفذ مشيئته فى الخلق دون الله، والله يقول:«حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ» وسميتم نفاذ الله فى الخلق حيفا، وقد جاء الخبر «إن الله عزّ وجلّ