للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإلى الجنة ما أصابه فى الدنيا من فقر وبلاء، وأنه لن ينفع عبدا صار إلى سخط الله عزّ وجلّ وإلى النار، ما أصاب فى الدنيا من نعمة ورخاء، ما يجد أهل الجنة مسّ مكروه أصابهم فى الدنيا، وما يجد أهل النار طعم لذة نعموا بها فى دنياهم، كأن سائر ذلك لم يكن، فمن كان راغبا فى الجنة وهاربا من النار، فالآن فى هذه الأيام الخالية، والتوبة مقبولة، والذنب مغفور، قبل نفاد الأجل، وانقضاء المدة، وفراغ من الله عز وجلّ للثّقلين (١) ليدينهم بأعمالهم فى موطن لا تقبل فيه الفدية، ولا تنفع فيه الحيلة، تبرز فيه الخفيّات، وتبطل فيه الشفاعات، يرده الناس جميعا بأعمالهم، وينصرفون منه أشتاتا (٢) إلى منازلهم، فطوبى (٣) يومئذ لمن أطاع الله عزّ وجلّ، وويل يومئذ لمن عصى الله عزّ وجلّ، فإن ابتلاك الله بالغنى، فاقتصد فى غناك، وضع لله نفسك، وأدّ لله عزّ وجلّ فرائض حقه من مالك، وقل عند ذلك ما قال العبد الصالح:

«هذا من فضل ربّى ليبلونى أأشكر أم أكفر، ومن شكر فإنّما يشكر لنفسه ومن كفر فإنّ ربّى غنىّ كريم». وإياك أن تفخر بطولك (٤)، وأن تعجب بنفسك، أو يخيّل إليك أن ما رزقته لكرامتك على ربك عزّ وجل، وتفضيله إياك على غيرك ممن لم يرزق مثل غناك، فإذا أنت أخطأت باب الشكر، ونزلت منازل أهل الفقر، وكنت ممن أطغاه الغنى، وتعجّل طيّباته فى الدنيا، فإنى أعظك بهذا وإنى لكثير الإسراف على نفسى، غير محكم لكثير من أمرى. ولو أن المرء لا يعظ أخاه حتى يحكم نفسه، ويعمل فى الذى خلق له من عبادة ربه عزّ وجل، إذن لتواكل الناس الخير، وإذن لرفع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وإذن لاستحلّت المحارم، وقلّ الواعظون والساعون لله عزّ وجل بالنصيحة فى الأرض».

(سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزى ص ٩١ وص ٢٠٢ وص ٢١٢)


(١) الإنس والجن. ودانه: جزاه.
(٢) متفرقين، جمع شت بالفتح.
(٣) الخير، والحسنى، وشجرة فى الجنة.
(٤) الطول: القدرة والغنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>