للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣٧١ - كتاب الأحنف بن قيس إلى قومه]

وسار علىّ عليه السلام عن البصرة بعد أن أمّر عليها عبد الله بن عباس، وولّى زياد بن أبيه الخراج وبيت المال (١)، فلما قدم الكوفة، وأراد المسير إلى الشأم، قام إليه الأحنف بن قيس- وكان لم يشهد وقعة الجمل مع أحدّ الفريقين- فكان فيما قال:

يا أمير المؤمنين إن يك بنو سعد لم ينصروك يوم الجمل، فلن ينصروا عليك غيرك، وإن عشيرتنا بالبصرة، فلو بعثنا إليهم فقدموا علينا فقاتلنا بهم العدو، وأدركوا اليوم ما فاتهم أمس، ولنا من قومنا عدد، ولا نلقي بهم عدوّا أعدى من معاوية، ولا نسدّ بهم ثغرا أشدّ من الشأم، فقال له على: اكتب إلى قومك.

فكتب الأحنف إلى بنى سعد:

«أما بعد: فإنه لم يبق أحد من بنى تميم إلا وقد شقوا برأى سيدهم غيركم، وعصمكم الله برأيى حتى نلتم ما رجوتم، وأمنتم مما خفتم، فأصبحتم منقطعين عن أهل البلاء، لا حقين بأهل العافية.

وإنى أخبركم أنا قدمنا على تميم بالكوفة، فأخذوا علينا بفضلهم مرتين مسيرهم إلينا مع علىّ، وتهيّئهم للمسير إلى الشأم، ثم انحشرنا إليهم، فصرنا كأنا لا نعرف إلا بهم، فأقبلوا إلينا ولا تتّكلوا علينا، فإن لهم أعدادنا من رؤسائهم، فلا تبطئوا عنا، فإن من تأخير العطاء حرمانا، ومن تأخير النصر خذلانا، فحرمان العطاء القلّة،


(١) كان زياد ممن اعتزل ولم يشهد وقعة الجمل، فلما ظفر على أخذ البيعة على أهل البصرة، وجاءه عبد الرحمن بن أبى بكر فى المستأمنين مسلما بعد ما فرغ على من البيعة. فقال له على: وعمك المتربص المتقاعد بى؟ فقال: والله يا أمير المؤمنين إنه لك لواد، وإنه على مسرتك لحريص، ولكنه بلغنى أنه يشتكى، فأعلم لك علمه ثم آتيك، وكتم عليا مكانه حتى استأمره، فأمره أن يعلمه فأعلمه، فقال على:
امش أمامى فاهدنى إليه ففعل، فلما دخل عليه قال: تقاعدت عنى وتربصت، ووضع يده على صدره وقال:
هذا وجع بين، فاعتذر إليه زياد، فقبل عذره واستشاره، وأراده علىّ على البصرة فقال: رجل من أهل بيتك يسكن إليه الناس، فإنه أجدر أن يطمئنوا وينقادوا وسأكفيكه، وأشير عليه، فأمر على ابن عباس على البصرة وولى زيادا الخراج وبيت المال، وأمر ابن عباس أن يسمع منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>