للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢٢١ - رسالة الشكر لأحمد بن يوسف]

ولما قتل الفضل (١) بن سهل (سنة ٢٠٢)، استوزر المأمون بعده أخاه الحسن (٢) ابن سهل جبرا لمصابه بقتل أخيه، فأمر الحسن أحمد بن يوسف فكتب عن لسانه رسالة يشكر فيها للمأمون صنعه، وهى:

«أما بعد، فالحمد لله القاهر القادر الخالق الرازق، فاطر السموات والأرض، الذى أحاط بكل شىء علما، ونطق به خبرا، وأتقنه حكمة وعلما، وألّف بين مختلفه ومتّفقه، ليدلّ بقوام بعضه على بعض على اتّصال تدبير مشيئته ومبتدعه، وأنه أحد صمد (٣)، لا ضدّ له ولا ندّ، إذ قدّر له حاجته، ثم شدّها ببلاغها إلى الغاية التى جعلها، فقال الله


(١) وذلك أنه لما ثارت الفتنة ببغداد كما قدمنا، كتم الفضل بن سهل عن المأمون أخبارها مدة، وكان متى علم أن أحدا قد دخل عليه أو أعلمه بخبر سعى فى مكروهه وعاقبه، فامتنع الناس من كلام المأمون، وانطوت عنه الأخبار، فدخل عليه على بن موسى الرضى وقال له: يا أمير المؤمنين، إن الناس ببغداد قد أنكروا عليك مبايعتى بولاية العهد وتغيير لباس السواد، وقد خلعوك وبايعوا عمك إبراهيم ابن المهدى، وأحضر إليه جماعة من القواد ليخبروه بذلك، فلما سألهم المأمون أمسكوا، وقالوا: نخاف من الفضل، فإن أمنتنا شره أخبرناك، فأمنهم وكتب لهم خطه، فأخبروه بحقيقة الحال وعرفوه خيانة الفضل وتعميته الأمور عليه، وستره الأخبار عنه وقالوا له الرأى أن تسير بنفسك إلى بغداد، وتستدرك أمرك، وإلا خرجت الخلافة من يدك، فشخص من مرو إلى العراق، فلما كان بسرخس دس على الفضل جماعة فقتلوه فى الحمام، ثم أخذهم وقدمهم ليضرب أعناقهم، فقالوا له: أنت أمرتنا بذلك ثم تقتلنا! فقال لهم: أنا أقتلكم بإقراركم، وأما ما ادعيتموه على فدعوى ليس لها بينة، ثم ضرب أعناقهم وحمل رءوسهم إلى أخيه الحسن بن سهل بواسط وكتب يعزيه ويوليه مكانه. وتزوج ابنته بوران بنت الحسن، ودس إلى على بن موسى سما فى عنب- وكان يحب العنب- فأكل منه واستكثر فمات من ساعته، وكتب إلى بنى العباس ببغداد يقول لهم: إن الذى أنكرتموه من أمر على بن موسى قد زال، وإن الرجل قد مات، فأجابوه أغلظ جواب، وجد المأمون فى المسير إلى بغداد فبلغها، وقد هرب إبراهيم بن المهدى والفضل ابن الربيع، فلما دخل المدينة (سنة ٢٠٤) تلقاه العباسيون وكلموه فى ترك لباس الخضرة والعود إلى السواد، فأجاب إلى ذلك وأمر الناس بالعود إلى لباس السواد، ثم إنه عفا عن عمه إبراهيم وأحسن إليه وكذلك فعل مع الفضل بن الربيع.
(٢) توفى الحسن سنة ٢٣٦ - انظر ترجمته فى وفيات الأعيان ١: ١٤١ والفخرى ص ٢٠٣ وتاريخ بغداد للخطيب البغدادى ٧: ٣١٩.
(٣) الصمد: السيد الذى يقصد فى قضاء الحوائج.

<<  <  ج: ص:  >  >>