للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عز وجل «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ» وحكى عن نجيّه موسى عليه السلام: «قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى» وقال الله تعالى: «وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا» ثم لم يكلّف العباد من شكره كفاء نعمته، بل رضى منهم باليسير، وقبل منهم العفو، وجعل طاعتهم إياه عائدة عليهم بجزيل الحظّ فى دينهم ودنياهم لغناه عن عبادتهم، واتّساع قدرته بالتطوّل عليهم، مفتتحا وخاتما، وبادئا وعائدا.

والحمد لله الذى اصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم، نبيّا لرسالته، وأتمنه على وحيه، وأنزل عليه كتابه العزيز، الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. فأدّى إلى خلقه الرسالة، واستنقذهم من الضلالة، وصدع بأمر ربّه، وجاهد فى سبيله، ونصح لأمته، حتى أتاه اليقين من ربّه، بعد استنارة الحقّ، وظهور الحجّة، فصلّى الله عليه بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، قد تلافى من الهلسكة، وجمع الألفة بعد الفرقة، وأوضح الهدى بعد الدّروس (١)، ومعالم الرّشد بعد الطّموس، وكان بالمؤمنين رحيما.

والحمد لله الذى قفّى على آثار المرسلين، والأئمة الراشدين، الهادى التقىّ، الطاهر الزّكىّ، الإمام المأمون أمير المؤمنين- أعزّ الله نصره- فسدّ ثلمتهم، ورأب صدعهم (٢)، وقلّده خلافتهم، وجعله لكافّة المسلمين غياثا ورحمة، وجعل ما ألهمه من العدل والإحسان إليهم، منّة عليه ورحمة ذخرها له دون الخلفاء قبله، فيما أظهر من فضل زمانه على الأزمنة، وسياسة من تقدّمه، ومنح الرعية من عطفه ونظره ما لا يحمل عنهم أوبه (٣)، ولا يؤدّى عنهم شكره، إلا هو لا شريك له، وأحسن الله جزاء أمير المؤمنين ومثوبته، على صلة رحم رسول الله صلى الله عليه وسلم التى هى


(١) الدروس: الامحاء.
(٢) الصدع: الشق، ورأبه كمنعه: أصلحه.
(٣) أى ترجيعه وترديده.

<<  <  ج: ص:  >  >>