للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٠٣ - كتاب علىّ إلى الأشتر

وفسدت مصر على محمد بن أبى بكر، وبلغ عليّا وثوب أهلها عليه (١)، وكان علىّ حين انصرف من صفين رد مالك بن الحارث الأشتر على عمله بالجزيرة، فلما انقضى أمر الحكومة كتب علىّ إلى الأشتر- وهو يومئذ بنصيبين (٢):

«السلام عليك يا مالك، أما بعد: فإنك ممن أستظهر به على إقامة الدين، وأقمع به نخوة (٣) الأثيم، وأسدّ به الثّغر المخوف، وكنت قد وليت محمد بن أبى بكر مصر، فخرجت عليه بها خوارج، وهو غلام حدث السّن غرّ ليس بذى تجربة للحرب، ولا بمجرّب للأشياء، فأقدم علىّ للننظر فيما ينبغى، واستخلف على عملك أهل الثّقة والنصيحة من أصحابك، والسلام».

فأقبل إليه، فقال له: ليس لها غيرك، وولاه إياه، فخرج الأشتر إلى مصر، ولكنه مات بالعريش مسموما (٤).

(تاريخ الطبرى ٦: ٥٤، شرح ابن أبى الحديد م ٢: ص ٢٩، والنجوم الزاهرة ١: ١٠٣)


(١) وذلك أن محمد بن أبى بكر لم يلبث بعد توليه مصر شهرا كاملا، حتى بعث إلى أولئك القوم المعتزلين بخربتا- الذين كان قيس وادعهم- فقال: يا هؤلاء، إما أن تدخلوا فى طاعتنا، وإما أن تخرجوا من بلادنا، فبعثوا إليه: إنا لا نفعل، دعنا حتى ننظر إلام تصير إليه أمورنا؟ ولا تعجل بحربنا، فأبى عليهم فامتنعوا منه وأخذوا حذرهم، فكانت وقعة صفين، وهم لمحمد هائبون، فلما أتاهم صبر معاوية وأهل الشأم لعلى، وأن عليا وأهل العراق قد رجعوا عن معاوية وأهل الشأم، وصار أمرهم إلى الحكومة، اجترءوا على محمد بن أبى بكر، وأظهروا له المبارزة، فبعث إليهم الحارث بن جمهان الجعفى فقاتلهم فقتلوه، ثم بعث إليهم رجلا من كلب يدعى ابن مضاهم فقتلوه، ثم خرج معاوية بن حديج الكندى فدعا إلى الطلب بدم عثمان، فأجابه ناس آخرون، وفسدت مصر على ابن أبى بكر- انظر تاريخ الطبرى ٥: ٢٣٢ و ٦: ٥٤ - .
(٢) مدينة من بلاد الجزيرة.
(٣) النخوة. الكبر والعظمة، وقمعه كمنعه: قهره وذلله والثغر: موضع المخافة من فروج البلدان.
(٤) وذلك أن الأشتر لما تهيأ للخروج إلى مصر، أتت معاوية عيونه، فأخبروه الخبر، فعظم ذلك عليه، وكان قد طمع فى مصر، وعلم أن الأشتر إن قدمها كان أشد عليه من محمد بن أبى بكر، وسار الأشتر بجيش إلى مصر، فبعث معاوية إلى دهقان بالعريش، فقال له: إن الأشتر قد ولى مصر، فإن أنت كفيتنيه لم آخذ منك خراجا ما بقيت، فاحتل له بما قدرت عليه، فلما نزل الأشتر العريش، سأل الدهقان:

<<  <  ج: ص:  >  >>