للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالموصول يطير بريش غيره، فقد أصبحت ضالّ النسب، ولعمرى ما فعل بك ذلك إلا اللّجاج، فدعه عنك فقد أصبحت على بيّنة من أمرك، ووضوح من حجّتك، فإن أحببت جانبى ووثقت بى فإمرة بإمرة، وإن كرهت جانبى ولم تثق بقولى، ففعل جميل، لا علىّ ولا لى، والسلام». (شرح ابن أبى الحديد م ٤: ص ٦٩)

[٣٠ - رد زياد على معاوية]

فكتب إليه زياد جواب كتابه:

«أما بعد: فقد وصل كتابك يا معاوية مع المغيرة بن شعبة وفهمت ما فيه، فالحمد لله الذى عرّفك الحقّ وردّك إلى الصّلة، ولست ممن يجهل معروفا، ولا يغفل حسبا، ولو أردت الآن أن أجيبك بما أوجبته الحجّة، واحتمله الجواب، لطال الكتاب، وكثر الخطاب، ولكنك إن كنت كتبت كتابك هذا عن عقد صحيح ونية حسنة، وأردت بذلك برّا، فستزرع فى قلبى مودة وقبولا، وإن كنت إنما أردت مكيدة ومكرا وفساد نيّة، فإن النفس تأبى ما فيه العطب، ولقد قمت يوم قرأت كتابك مقاما يعيا به الخطيب المدره (١)، فتركت من حضر لا أهل ورد ولا صدر (٢)، كالمتحيّرين بمهمه (٣) صل بهم الدليل، وأنا على أمثال ذلك قدير».


(١) وذلك أنه لما ورد عليه المغيرة بكتاب معاوية، جمع الناس بعد يومين أو ثلاثة فخطبهم فقال أيها الناس: ادفعوا البلاء ما اندفع عنكم، وارغبوا إلى الله فى دوام العافية لكم، فقد نظرت فى أمور الناس منذ قتل عثمان، وفكرت فيهم فوجدتهم كالأضاحى فى كل عيد يذبحون، ولقد أفنى هذا اليومان يوم الجمل وصفين ما ينيف على مائه ألف كلهم يزعم أنه طالب حق وتابع إمام وعلى بصيرة من أمره، فإن كان الأمر هكذا فالقاتل والمقتول فى الجنة، كلا ليس كذلك، ولكن أشكل الأمر، والتبس على القوم، وإنى لخائف أن يرجع الأمر كما بدا، فكيف لامرىء بسلامة دينه، وقد نظرت فى أمر الناس فوجدت أحمد العاقبتين العافية، وسأعمل فى أموركم ما تجدون عاقبته ومغبته، فقد حمدت طاعتكم إن شاء الله».
والمدره: المقدم فى اللسان عند الخصومة، فهو لسان القوم والمتكلم عنهم الذى يرجعون إلى رأيه.
(٢) الورد: الإشراف على الماء وغيره دخله أو لم يدخله، والصدر: الرجوع.
(٣) المهمه: المفازة البعيدة والبلد المقفر.

<<  <  ج: ص:  >  >>