للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«من أمير المؤمنين معاوية بن أبى سفيان إلى زياد بن أبى سفيان (١)، أما بعد:

فإن المرء ربّما طرحه الهوى فى مطارح العطب، وإنك للمرء المضروب به المثل: قاطع الرّحم، وواصل العدوّ، حملك سوء ظنّك بى، وبغضك لى على أن عققت قرابتى، وقطعت رحمى، وبتتّ (٢) نسبى وحرمتى، حتى كأنك لست أخى، وليس صخر ابن حرب أباك وأبى! وشتان ما بينى وبينك، أطلب بدم ابن أبى العاص (٣) وأنت تقاتلنى، ولكن أدركك عرق الرّخاوة من قبل النساء، فكنت كتاركة بيضها بالعراء (٤): وملحفة بيض أخرى جناحها، وقد رأيت أن أعطف عليك، ولا أؤاخذك بسوء سعيك، وأن أصل رحمك، وأبتغى الثواب فى أمرك، فاعلم أبا المغيرة أنك لو خضت البحر فى طاعة القوم فتضرب بالسيف حتى ينقطع متنه، لما ازددت منهم إلا بعدا، فإن بنى عبد شمس أبغض إلى بنى هاشم من الشّفرة إلى الثور الصّريع وقد أوثق للذبح، فارجع رحمك الله إلى أصلك، واتّصل بقومك، ولا تكن


(١) ذكروا أن البغايا فى الجاهلية كانت لهن رايات يعرفن بها وينتحيها الفتيان، فيقال إن أبا سفيان خرج يوما وهو ثمل إلى تلك الرايات، فقال لصاحبة الراية هل عندك من بغى؟ فقالت: ما عندى إلا سمية، قال: هاتها على نتن إبطيها، فوقع بها، فولدت له زيادا على فراش عبيد (العقد الفريد ٣: ٢) وقد شهد أبو مريم السلولى حين استلحق معاوية زيادا قال: أشهد أن أبا سفيان قدم علينا بالطائف، وأنا خمار فى الجاهلية، فاشتريت له لحما وخمرا وطعاما، فلما أكل قال: يا أبا مريم ابغنى بغيا، فخرجت فأتيت سمية، فقلت لها: إن أبا سفيان من قد عرفت شرفه وجوده، وقد أمرنى أن أصيب له بغيا، فهل لك؟ فقالت: نعم يجىء الآن عبيد بغنمه- وكان راعيا- فإذا تعشى ووضع رأسه أتيته، فرجعت إلى أبى سفيان فقلت: لم أجد إلا جارية الحارث بن كلدة: سمية، فقال: ائننى بها على ذفرها وقذرها، وأخذبكم درعها، وأغلقت الباب عليهما، فلم ألبث أن خرج على يمسح جبينه، فقلت: مه يا أبا سفيان، فقال:
ما أصبت مثلها يا أبا مريم، لولا استرخاء من ثدييها وذفر فى إبطيها (شرح ابن أبى الحديد م ٤: ص ٧٠ ومروج الذهب ٢: ص ٥٦) (الدفر بالتحريك ويسكن: النتن، والذفر بالتحريك: كل ريح ذكية من طيب أو نتن، أو يخص برائحة الإبط المنتنة).
وكان يقال له: زياد بن عبيد، وزياد بن أبيه، وزياد بن سمية، وزياد بن أمه، ولما استلحق (سنة ٤٤ هـ) قيل له زياد بن أبى سفيان.
(٢) قطعت.
(٣) أى عثمان وهو عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية.
(٤) العراء: الفضاء لا يستتر فيه بشىء.

<<  <  ج: ص:  >  >>