للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٧٩ - كتاب أبى العيناء إلى أبى نوح]

وكتب أبو العيناء إلى أبى نوح يهنئه بإسلامه:

«لقد عظمت نعمة الله عليك، فى منابذة (١) أهل الذّلة والصّغار، والكفر والإصرار، الذين أحلّوا قومهم دار البوار، جهنّم يصلونها وبئس القرار، والّذين جعلوا لله أندادا، ودعوا للرّحمن ولدا، وما ينبغى للرّحمن أن يتّخذ ولدا، إن كلّ من فى السّموات والأرض إلّا آتى الرّحمن عبدا، وليهنئك نعمة الله عليك فى أخوّة المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، فقد أصبحت لهم أخا، وأصبح الدعاء لهم عليك من الله فرضا، قال الله عز وجل: «وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ، وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ».

ولله أبوك! لقد قدحت فأوريت، واستضأت فاهتديت، ومخضت الأمر ثم اقتنيت، لا كمن فكّر وقدّر فقتل كيف قدّر، فالحمد لله الذى أفاز (٢) قدحك، وأعلى كعبك، وأنقذ من النار شلوك (٣)، وخلّصك من لبس الحيرة، وجمرة الشّرك، إن الشّرك لظلم عظيم. ومن يشرك بالله فكأنّما خرّ من السّماء فتخطفه الطّير أو تهوى به الرّيح فى مكان سحيق (٤)، فأصبحت- أكرمك الله- وقد استبدلت بالبيع المساجد، وبالآحاد الجمع، وبقبلة الشام البيت الحرام.

وبتحريف الإنجيل صحة التنزيل، وبارتياب المشركين يقين الموحّدين، وبحكم الأسقفّ رأس الملحدين، حكم أمير المؤمنين، وسيّد المرسلين، فهنأك الله بما أنعم به عليك، وأحسن فيه إليك، وأوزعك (٥) شكره، وزادك بشكره من فضله».

(اختيار المنظوم والمنثور ١٣: ٣٠٥)


(١) أى مخالفة.
(٢) أى جعل الفوز من نصيبه، يقال: أفازه الله بكذا: أى أظفره.
(٣) الشلو: الجسد.
(٤) أى بعيد.
(٥) أى ألهمك.

<<  <  ج: ص:  >  >>