للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فانفذ وإن تفشّلت فابعد (١)، وايم الله لتؤتينّ حيث أنت (٢)، ولا تترك حتى يخلط زبدك بخائرك (٣)، وذائبك بجامدك، وحتى تعجل عن قعدتك (٤)، وتحذر من أمامك كحذرك من خلفك، وما هى بالهوينى (٥) التى ترجو، ولكنها الداهية الكبرى يركب جملها، ويذلّ صعبها، ويسهل جبلها، فاعقل (٦) عقلك، واملك أمرك، وخذ نصيبك وحظّك، فإن كرهت فتنحّ إلى غير رحب (٧) ولا فى نجاة، فبالحرى (٨) لتكفينّ وأنت نائم حتى لا يقال أين فلان، والله إنه لحقّ مع محقّ، ما يبالى ما صنع الملحدون، والسلام».

(نهج البلاغة ٢: ٨٨)

[٣٦٤ - كتاب على إلى أهل الكوفة]

وروى أنه لما أبطأ ابن عباس وابن أبى بكر عن على عليه السلام ولم يدر ما صنعا رحل عن الرّبذة إلى ذى قار. فلما نزلها بعث إلى الكوفة ابنه الحسن وعمّار بن ياسر وزيد بن صوحان وقيس بن سعد بن عبادة، ومعهم كتاب إلى أهل الكوفة، وفيه:

«من عبد الله على أمير المؤمنين إلى من بالكوفة من المسلمين، أما بعد فإنى خرجت مخرجى هذا إمّا ظالما وإما مظلوما، وإما باغيا وإما مبغيّا علىّ، فأنشد الله


(١) أى إن أمرك معى مبنى على الشك، فإن حققت لزوم طاعتك لى فانفذ وسر إلى، وإن أقمت على الشك فاعتزل العمل، وأراد بتفشلت: فشلت أى ضعفت وجبنت وتراخيت (وتفشل الماء: سال).
(٢) أى إن أقمت على الاسترابة والتثبيط وقولك لأهل الكوفة: لا يحل لكم سل السيف لا مع على ولا مع طلحة والزموا بيوتكم واكسروا سيوفكم، ليأتينكم أهل البصرة مع طلحة، أو لنأتينكم نحن بأهل المدينة.
(٣) الخاثر: اللبن الغليظ، وأخثرت الزبد تركته خاثرا وذلك إذا لم تذبه، وفى المثل: «ما يدرى أيخثر أم يذيب» يضرب للمتحير المتردد فى الأمر. وأصله أن المرأة تسلأ السمن (أى تذيبه) فيختلط خاثره برقيقه فلا يصفو، فتبرم بأمرها فلا تدرى أتوقد تحته حتى يصفو؟ وتخشى إن هى أو قدت أن يحترق، فتحار لذلك.
(٤) القعدة: هيئة القعود، والمعنى: ليشتدن عليك الأمر حتى يحال بينك وبين جلستك فى الولاية.
(٥) الهوينى تصغير الهونى بالضم مؤنث أهون.
(٦) أى فقيده بالعزيمة، ولا تدعه يذهب مذاهب التردد من الخوف.
(٧) رحب المكان رحبا بالضم: أى اتسع، فهو رحب بالفتح.
(٨) يقال: بالحرى أن يكون كذا: أى جدير وخليق، والمعنى فجدير أنا نكفيك القتال ونظفر وأنت نائم خامل لا يسأل عنك.

<<  <  ج: ص:  >  >>