للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما أوصل الغضبان الكتاب إلى قطرىّ: قال: يا غلام، أزبر (١) هذه الصحيفة، فتلا عليه ما فيها، فتنهّد قطرى الصّعداء (٢)، فقال: يا غضبان ألفيتنى محزونا، وأنشأ يقول:

فيا كبدا من غير جوع ولا ظما ... ووا كبدا من وجد أم حكيم

فلو شهدتنى يوم دولاب أبصرت ... طعان فتى فى الحرب غير لئيم (٣)

غداة طفت علماء بكر بن وائل ... وعجنا صدور الخيل نحو تميم (٤)

وكان بعبد القيس أوّل حدّنا ... وآب عميد الأزد غير ذميم

يعنى المهلب- وأم حكيم هذه: امرأة من الخوارج قتلت بين يديه (٥) - ثم قال:

يا غلام اكتب:

[١٨٤ - رد قطرى بن الفجاءة على الحجاج]

«بسم الله الرحمن الرحيم، من قطرىّ بن الفجاءة إلى الحجاج بن يوسف، سلام على من اتّبع الهدى، ذكرت فى كتابك أنى كنت بدويا أستطعم الكسرة، وأبدر (٦) إلى التمرة، وبالله لقد قلت زورا، بل الله بصّرنى من دينه ما أعماك عنه،


(١) زبر الكتاب (وزبره أيضا) قرأه.
(٢) الصعداء: تنفس طويل.
(٣) دولاب: قرية بينها وبين الأهواز أربعة فراسخ، وقعت فيها وقعة بين أهل البصرة بقيادة مسلم ابن عنيس وبين الأزارقة بقيادة نافع بن الأزرق، وقتل ابن عنيس وابن الأزرق فى المعركة (سنة ٦٥ هـ) انظر هامش ص ٩٧.
(٤) علماء: أى على الماء، قال المبرد «إن العرب إذا التقت فى مثل هذا الموضع لامان استجازوا حذف إحداهما استثقالا للتضعيف، لأن ما بقى دليل على ما حذف، وكذلك كل اسم من أسماء القبائل تظهر فيه لام المعرفة، فإنهم يجيزون معه حذف النون التى فى قولك بنو لقرب مخرج النون من اللام وذلك قولك فلان من بلحارث وبلعنبر وبلهجيم» - الكامل ٢: ١٨٣ - وعجنا: عطفنا.
(٥) روى أبو الفرج الأصبهانى عن ميمون بن هرون قال: «حدثت أن امرأة من الخوارج كانت مع قطرى بن الفجاءة يقال لها أم حكيم، وكانت من أشجع الناس وأجملهم وجها، وأحسنهم بدينهم تمسكا، وخطبها جماعة منهم فردتهم ولم تجب إلى ذلك، فأخبرنى من شهدها أنها كانت تحمل على الناس وترتجز:
أحمل رأسا قد سئمت حمله ... وقد مللت دهنه وغسله
ألا فتى يحمل عنى ثقله؟
قال: وهم يفدونها بالآباء والأمهات، فما رأيت قبلها ولا بعدها مثلها- الأغانى ٦: ٦.
(٦) بدر إليه: عجل إليه واستبق.

<<  <  ج: ص:  >  >>