ولما ظهر معاوية على مصر، ولّى عليها عمرو بن العاص، ثم بدا له أن يحتاز البصرة، فكتب إلى عمرو يستطلع رأيه فى ذلك.
«من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص:
سلام عليك: أما بعد، فإنى قد رأيت رأيا هممت بإمضائه، ولم يخذلنى عنه إلا استطلاع رأيك، فإن توافقنى أحمد الله وأمضه، وإن تخالفنى فإنى أستخير الله وأستهديه.
إنى نظرت فى أمر أهل البصرة فوجدت معظم أهلها لنا وليّا، ولعلىّ وشيعته عدوّا، وقد أوقع بهم علىّ الوقعة التى علمت، فأحقاد تلك الدماء ثابتة فى صدورهم لا تبرح ولا تريم (١)، وقد علمت أنّ قتلنا ابن أبى بكر، ووقعتنا بأهل مصر قد أطفأت نيران أصحاب علىّ فى الآفاق، ورفعت رءوس أشياعنا أينما كانوا من البلاد، وقد بلغ من كان بالبصرة على مثل رأينا من ذلك ما بلغ الناس، وليس أحد ممن يرى رأينا أكثر عددا، ولا أضرّ خلافا على علىّ من أولئك.
فقد رأيت أن أبعث إليهم عبد الله بن عامر الحضرمىّ، فينزل فى مضر، ويتودّد الأزد، ويحذر ربيعة، ويبتغى دم ابن عفان، ويذكرهم وقعة علىّ بهم التى أهلكت
(١) لا تريم: أى لا تبرح، يقال: مارمت المكان ومنه: أى ما برحت.