للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوم خواصّ رجال عندهم على هذا معونة، إذا صنعوا لذلك، وتلطّف لهم، وأعينوا على رأيهم، وقوّوا على معاشهم ببعض ما يفرّغهم لذلك ويبسطهم له، وخطر (١) هذا جسيم فى أمرين: أحدهما رجوع أهل الفساد إلى الصلاح، وأهل الفرقة إلى الألفة.

والأمر الآخر أن لا يتحرك متحرّك فى أمر من أمور العامّة إلا وعين ناصحة ترمقه، ولا يهمس هامس إلا وأذن شفيقة تصيخ (٢) نحوه، وإذا كان ذلك لم يقدر أهل الفساد على تربيض (٣) الأمور وتلقيحها، وإذا لم تلقّح كان نتاجها بإذن الله مأمونا.

وقد علمنا علما لا يخالطه شكّ أن عامّة قط لم تصلح من قبل أنفسها، ولم يأتها الصّلاح إلا من قبل خاصّتها، وأن خاصّة قطّ لم تصلح من قبل أنفسها، وأنها لم يأتها الصلاح إلّا من قبل إمامها، وذلك لأن عدد الناس فى ضعفتهم (٤)

وجهّالهم الذين لا يستغنون برأى أنفسهم، ولا يحملون العلم، ولا يتقدمون فى الأمور، فإذا جعل الله فيهم خواصّ من أهل الدين والعقول، ينظرون إليهم ويسمعون منهم، واهتمّت خواصّهم بأمور عوامّهم، وأقبلوا عليها بجدّ ونصح ومثابرة وقوة، جعل الله ذلك صلاحا لجماعتهم، وسببا لأهل الصلاح من خواصّهم، وزيادة فيما أنعم الله به عليهم، وبلاغا إلى الخير كلّه، وحاجة الخاصّة إلى الإمام الذى يصلحهم الله به كحاجة العامة إلى خواصّهم وأعظم من ذلك، فبالإمام يجمع الله أمرهم، ويكبت (٥) أهل الطعن عليهم، ويجمع رأيهم وكلمتهم، ويبيّن لهم عند العامة منزلتهم، ويجعل لهم لحجّة والأيد (٦) والمقال على من نكب (٧) عن سبيل حقهم.

فلما رأينا هذه الأمور ينتطم بعضها ببعض، وعرفنا من أمر أمير المؤمنين ما بمثله جمع الله خواصّ المسلمين على الرغبة فى حسن المعاونة والمؤازرة والسعى فى صلاح عامّتهم:


(١) الخطر: القدر.
(٢) أصاخ له: استمع.
(٣) من تربيض السقاء: وهو أن يجعل ما فيه يغمر قعره.
(٤) ضعفة: جمع ضعيف كضعاف.
(٥) كبته: أخزاه وأذله ورده بغيظه.
(٦) الأيد: القوة.
(٧) أى مال وعدل.

<<  <  ج: ص:  >  >>