للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وظائف معلومة، وتدوين الدواوين بذلك، وإثبات الأصول، حتى لا يؤخذ رجل إلا بوظيفة قد عرفها وضمنها، ولا يجتهد فى عمارة إلا كان له فضلها ونفعها، لرجونا أن يكون فى ذلك صلاح للرعية، وعمارة للأرض، وحسم لأبواب الخيانة وغشم (١) العمال، وهذا رأى مؤنته شديدة، ورجاله قليل، ونفعه متأخّر، وليس بعد هذا فى أمر الخراج إلا رأى قد رأينا أمير المؤمنين أخذ به، ولم نره من أحد قبله، من تخيّر العمال وتفقّدهم والاستعتاب (٢) لهم، والاستبدال بهم.

ومما يذكّر به أمير المؤمنين، جزيرة العرب من الحجاز واليمن واليمامة وما سوى ذلك، أن يكون من رأى أمير المؤمنين- إذا سخت نفسه عن أموالها من الصّدقات وغيرها- أن يختار لولايتها الخيار من أهل بيته وغيرهم، لأن ذلك من تمام السّيرة العادلة، والكلمة الحسنة التى قد رزق الله أمير المؤمنين وأكرمه بها، من الرأى الذى هو بإذن الله حمى ونظام لهذه الأمور كلّها فى الأمصار والأجناد والثّغور والكور.

إنّ بالناس من الاستجراح (٣) والفساد ما قد علم أمير المؤمنين، وبهم من الحاجة إلى تقويم آدابهم وطرائفهم ما هو أشدّ من حاجتهم إلى أقواتهم التى يعيشون بها، وأهل كل مصر وجند وثغر فقراء إلى أن يكون لهم من أهل الفقه والسّنّة والسّير والنصيحة مؤدّبون مقوّمون يذكّرون، ويبصّرون (٤) الخطأ، ويعظون من الجهل، ويمنعون عن البدع، ويحذّرون الفتن، ويتفقدون أمور عامّة من هو بين أظهرهم، حتى لا يخفى عليهم منها مهمّ، ثم يستصلحون ذلك ويعالجون ما استنكروا منه بالرأى والرّفق والنّصح، ويرفعون ما أعياهم إلى ما يرجون قوّته عليهم (٥)، مأمونين على سير ذلك وتحصينه، بصراء بالرأى حين ببدو، وأطبّاء باستئصاله قبل أن يتمكّن، وفى كل


(١) الغشم: الظلم.
(٢) استعتبه. استرضاه.
(٣) الاستجراح: الفساد والعيب، وفى الأصل «الاستخراج» وهو تصحيف.
(٤) بصره الأمر: فهمه إياه.
(٥) كذا فى الأصل، والأظهر أن يكون «قوتهم عليه».

<<  <  ج: ص:  >  >>