للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من القوة إلى حبّ الإنصاف، ورجّح فى قلبك إيثار الأناة (١)، فقد خفت- أيّدك الله- أن أكون عندك من المنسوبين إلى نزق السّفهاء، ومجانبة سبل الحكماء، وبعد، فقد قال عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت:

وإن امرأ أمسى وأصبح سالما ... من الناس إلّا ما جنى لسعيد (٢)

وقال الآخر (٣):

ومن دعا الناس إلى ذمّه ... ذمّوه بالحقّ وبالباطل

فإن كنت اجترأت عليك- أصلحك الله- فلم أجترئ إلّا لأن دوام تغافلك عنى شبيه بالإهمال الذى يورث الإغفال، والعفو المتتابع يؤمن من المكافأة (٤)، ولذلك قال عيينة (٥) بن حصن بن حذيفة لعثمان رحمه الله: «عمر كان خيرا لى منك: أرهبنى فأتقانى، وأعطانى فأغنانى» (٦).

فإن كنت لا تهب عقابى- أيدك الله- لحرمة (٧)، فهبه لأياديك عندى، فإن النّعمة تشفع فى النّقمة، وإلّا تفعل ذلك لذلك، فعد إلى حسن العادة، وإلّا فافعل ذلك لحسن الأحدوثة، وإلا فأت ما أنت أهله من العفو، دون ما أنا أهله من


(١) الأناة: الحلم، والنزق: الطيش.
(٢) ويروى هذا البيت لحسان بن ثابت- انظر ديوان حسان ص ١٤٢ - وفى ديوان الحماسة ٢:
١٤ أنه لرجل من بنى قريع.
(٣) ذكر صاحب زهر الآداب أنه محمد بن حازم الباهلى، وفى الأغانى (ج ١٣: ص ١٠) أنه العتابى أو الحكم بن قنبر، وقبله:
مقالة السوء إلى أهلها ... أسرع من منحدر سائل
(٤) المكافأة: المجازاة.
(٥) هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزارى، أحد المؤلفة قلوبهم، أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غنائم هوازن مائة بعير- انظر سيرة ابن هشام ٢: ٣٢١.
(٦) بسط الجاحظ معانى هذه الرسالة بصورة أوسع، فى رسالته «التربيع والتدوير» وأورد فيها أكثر فقرها بألفاظها- انظر الفصول المختارة من كتب الجاحظ على هامش الكامل للمبرد ص ٦٠ وما بعدها، ومجموعة رسائل الجاحظ، طبع الساسى ض ١١٢.
(٧) فى الأصل «لخدمة» وهو تحريف وصوابه «لحرمة» والتصويب عن رسالة التربيع والتدوير وفيها «لحرمتى».

<<  <  ج: ص:  >  >>