للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو حيّان على بن محمد التّوحيدىّ البغدادىّ:

سمرنا ليلة عند القاضى أبى حامد أحمد بن بشر المروروذىّ (١) ببغداد. فتصرّف فى الحديث كل متصرّف، وكان غزير الرواية، لطيف الدّراية، فجرى حديث السّقيفة،


- إلى القاضى أبى حامد المروروذى، وهذه عادته فى كتاب البصائر يسند إلى القاضى أبى حامد كل ما يريد أن يقوله هو من تلقاء نفسه إذا كان كارها لأن ينسب إليه.
ومما يوضح لك أنه مصنوع أن المتكلمين على اختلاف مقالاتهم من المعتزلة والشيعة والأشعرية وأصحاب الحديث وكل من صنف فى علم الكلام والإمامة لم يذكر أحد منهم كلمة واحدة من هذه الحكاية، ولقد كان الرضى رحمه الله يلتقط من كلام أمير المؤمنين عليه السلام اللفظة الشاذة والكلمة المفردة الصادرة عنه فى معرض التألم والتظلم فيحتج بها، ويعتمد عليها، نحو قوله «ما زلت مظلوما مذ قبض رسول الله حتى قوم الناس هذا» وقوله «لقد ظلمت عدد الحجر والمدر» وقوله «إن لنا حقا إن نعطه نأخذه، وإن تمنعه نركب أعجاز الإبل، وإن طال السرى» وقوله «فصبرت وفى الحلق سجا وفى العين قذى» وقوله «اللهم إنى استعديك على قريش فإنهم ظلمونى حقى وغصبونى إرثى». وكان الرضى إذا ظفر بكلمة من هذه فكأنما ظفر بملك الدنيا، ويودعها كتبه وتصانيفه، فأين كان الرضى عن هذا الحديث؟ وهلا ذكر فى كتاب (الشافى فى الإمامة) كلام أمير المؤمنين عليه السلام هذا؟ وكذلك من قبله من الإمامية كابن النعمان وبنى نوبخت، بنى بويه وغيرهم، وكذلك من جاء بعده من متأخرى متكلمى الشيعة وأصحاب الأخبار والحديث منهم إلى وقتنا هذا، وأين كان أصحابنا عن كلام أبى بكر وعمر له عليه السّلام؟ وهلا ذكره قاضى القضاة فى المغنى مع احتوائه على كل ما جرى بينهم حتى إنه يمكن أن يجمع منه تاريخ كبير مفرد فى أخبار السقيفة، وهلا ذكر من كان قبل قاضى القضاة من مشايخنا وأصحابنا ومن جاء بعده من متكلمينا ورجالنا؟
وكذلك القول فى متكلمى الأشعرية، وأصحاب الحديث كابن الباقلانى وغيره، وكان ابن الباقلانى شديدا على الشيعة عظيم العصبية على أمير المؤمنين عليه السلام، فلو ظفر بكلمة من كلام أبى بكر وعمر فى هذا الحديث لملأ الكتب والتصانيف بها، جعلها هجيراه (بكسر الهاء والجيم مع تشديدها أى دأبه وشأنه) ودأبه والأمر فيما ذكرناه من وضع هذه القصة ظاهر لمن عنده أدنى ذوق من علم البيان ومعرفة كلام الرجال، ولمن عنده أقل معرفة بعلم السير، وأقل أنس بالتواريخ» اه.
وقال النويرى فى نهاية الأرب فى هذا الصدد: «وهذه الرسالة قد اعتنى الناس بها وأوردوها فى المجاميع، ومنهم من أفردها فى جزء وقطع بأنها من كلامهم رضى الله عنهم، من أنكرها ونفاها عنهم. وقال إنها موضوعة، واختلف القائلون بوضعها: فمنهم من زعم ان فضلاء الشيعة وضعوها، وأرادوا بذلك الاستناد إلى أن على بن أبى طالب رضى الله عنه إنما بايع أبا بكر الصديق بسبب ما تضمنته، وهذا الاستناد ضعيف وحجة واهية. والصحيح أن على بن أبى طالب بايع بيعة رضى باطنه فيها كظاهره، والدليل على ذلك أنه وطئ من السبى الذى سبى فى خلافة أبى بكر واستولد منه محمد بن الحنفية، ولا جواب لهم عن هذا، ومنهم من زعم أن فضلاء السنة وضعوها، والله أعلم، وعلى الجملة فهذه الرسالة لم نوردها فى هذا الكتاب إثباتا لها أنها من كلامهم رضى الله عنهم ولا نفيا وإنما أوردناها لما فيها من البلاغة واتساق الكلام وجودة الألفاظ» اه.
وأقول أنا أيضا: إنى مع يقينى أنها منحولة موضوعة لم أوردها فى جملة الرسائل إلا لأنها أثر أدبى بليغ.
(١) مرو الروذ: مدينة بخراسان. ينسبون إليها فيقولون: مروروذى بضم الراء الثانية. ومروذى بضم الراء مشددة.

<<  <  ج: ص:  >  >>