للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد عظّم هؤلاء الجهلة بقولهم فى القرآن، الثّلم (١) فى دينهم، والجرح فى أمانتهم، وسهّلوا السبيل لعدو الإسلام، واعترفوا بالتبديل والإلحاد على قلوبهم حتى عرّفوا ووصفوا خلق الله وفعله بالصفة التى هى لله وحده، وشبّهوه به، والأشباه أولى بخلقه، وليس يرى أمير المؤمنين لمن قال بهذه المقالة حظّا فى الدين، ولا نصيبا من الإيمان واليقين، ولا يرى أن يحلّ أحدا منهم محلّ الثقة فى أمانة ولا عدالة ولا شهادة، ولا صدق فى قول ولا حكاية، ولا تولية لشىء من أمر الرعية، وإن ظهر قصد (٢) بعضهم، وعرف بالسّداد مسدّد فيهم، فإن الفروع مردودة إلى أصولها، ومحمولة فى الحمد والذم عليها، ومن كان جاهلا بأمر دينه الذى أمره الله به من وحدانيّته فهو بما سواه أعظم جهلا، وعن الرّشد فى غيره أعمى وأضل سبيلا، فاقرأ على جعفر بن عيسى وعبد الرحمن بن إسحق القاضى كتاب أمير المؤمنين بما كتب به إليك، وانصصهما عن علمهما فى القرآن، وأعلمهما أن أمير المؤمنين لا يستعين على شىء من أمور المسلمين إلا بمن وثق بإخلاصه وتوحيده، وأنه لا توحيد لمن لم يقرّ بأن القرآن مخلوق، فإن قالا بقول أمير المؤمنين فى ذلك، فتقدّم إليهما فى امتحان من يحضر مجالسهما بالشهادات على الحقوق، ونصّهم عن قولهم فى القرآن، فمن لم يقل منهم إنه مخلوق أبطلا شهادته، ولم يقطعا حكما بقوله، وإن ثبت عفافه بالقصد والسّداد فى أمره، وافعل ذلك بمن فى سائر عملك من القضاة، وأشرف عليهم إشرافا يزيد الله به ذا البصيرة فى بصيرته، ويمنع المرتاب من إغفال دينه، واكتب إلى أمير المؤمنين بما يكون منك فى ذلك إن شاء الله».

(كتاب بغداد ٦: ٣٤٤، وتاريخ الطبرى ١٠: ٢٨٦)


(١) أى النقص، من ثلم الإناء إذا كسر حرفه.
(٢) القصد: الاستقامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>