للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابتداع الأشياء كلّها بحكمته، وإنشائها بقدرته، والتقدّم عليها بأوّليّته التى لا يبلغ أولاها، ولا يدرك مداها، وكان كلّ شىء دونه خلقا من خلقه، وحدثا هو المحدث له، وإن كان القرآن ناطقا به، ودالّا عليه، وقاطعا للاختلاف فيه، وضاهوا به قول النصارى فى ادّعائهم فى عيسى بن مريم أنه ليس بمخلوق، إذ كان كلمة الله، والله عز وجل يقول: «إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا» وتأويل ذلك «أَنَّا خَلَقْناهُ» * كما قال جل جلاله «وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها» وقال: «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً» «وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ». فسوّى عزّ وجلّ بين القرآن وبين هذه الخلائق، التى ذكرها فى شية (١) الصّنعة، وأخبر أنه جاعله، وحدّه فقال: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ» فقال ذلك على إحاطة اللوح بالقرآن، ولا يحاط إلا بمخلوق، وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم «لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ» وقال: «ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ» وقال: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ» وأخبر عن قوم ذمّهم بكذبهم أنهم قالوا: «ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ» ثم أكذبهم على لسان رسوله فقال لرسوله: «قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى» فسمى الله تعالى القرآن قرآنا وذكرا وإيمانا ونورا وهدى ومباركا وعربيّا وقصصا، فقال: «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ» وقال: «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ» وقال: «قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ» وقال: «لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ» فجعل له أوّلا وآخرا، ودل عليه أنه محدود مخلوق.


(١) أى فى حسنها، من وشى الثوب كوعد وشيا وشية: أى نقشه وحسنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>