للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويمون كبيرهم. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوانح، تصلح الجوانح بصلاحه، وتفسد بفساده. والإمام العدل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد إلى الله ويقودهم، فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملّكك الله كعبد ائتمنه سيده، واستحفظه ماله وعياله، فبدّد المال، وشرّد العيال، فأفقر أهله، وفرّق ماله. واعلم يا أمير المؤمنين أن الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش، فكيف إذا أتاها من يليها؟ وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده، فكيف إذا قتلهم من يقتصّ لهم؟ واذكر يا أمير المؤمنين الموت وما بعده، وقلّة أشياعك عنده، وأنصارك عليه، فتزوّد له، ولما بعده من الفزع الأكبر. واعلم يا أمير المؤمنين أن لك منزلا غير منزلك الذى أنت فيه، يطول فيه ثواؤك، ويفارقك أحبّاؤك، ويسلمونك فى قعره فريدا وحيدا، فتزوّد له ما يصحبك يوم يفرّ المرء من أخيه، وأمّه وأبيه، وصاحبته وبنيه. واذكر يا أمير المؤمنين إذا بعثر ما فى القبور، وحصّل ما فى الصدور، فالأسرار ظاهرة، والكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فالآن يا أمير المؤمنين وأنت فى مهل، قبل حلول الأجل وانقطاع الأمل، لا تحكم يا أمير المؤمنين فى عباد الله بحكم الجاهلين، ولا تسلك بهم سبيل الظالمين، ولا تسلّط المستكبرين على المستضعفين، فإنهم لا يرقبون فى مؤمن إلّا (١) ولا ذمّة، فتبوء بأوزارك وأوزار مع أوزارك، وتحمل أثقالك وأثقالا مع أثقالك، ولا يغرّنك الذين يتنعمون بما فيه بؤسك، ويأكلون الطيبات فى دنياهم بإذهاب طيّباتك فى آخرتك. لا تنظر إلى قدرتك اليوم، ولكن انظر إلى قدرتك غدا، وأنت مأسور فى حبائل الموت، وموقوف بين يدى الله فى مجمع من الملائكة والنبيين والمرسلين، وقد عنت (٢) الوجوه للحى القيوم. إنى يا أمير المؤمنين وإن لم أبلغ بعظتى ما بلغه أولو النّهى من قبلى فلم آلك (٣) شفقة


(١) عهدا.
(٢) خضعت وذلت.
(٣) لم أقصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>