قدر عون الله إياك بقدر نيتك، فإن تمّت نيّتك تمّ عون الله الكريم، إياك، وإن قصرت نيتك قصر من الله العون بحسب ذلك.
فإن استطعت أن تأتى الله يوم القيامة لا يتبعك أحد بظلم، ويجىء من كان قبلك وهم غابطون لك بقلة أتباعك، وأنت غير غابط لهم بكثرة أتباعهم، فافعل، ولا قوة إلا بالله، فإنهم قد عاينوا هول المطلع، وعالجوا نزع الموت الذى كانوا منه يفرّون، فانشقّت بطونهم التى كانوا لا يشبعون بها، وانفقأت أعينهم التى كانت لا تنقطع لذّتها، واندقّت رقابهم فى التراب غير موسّدين، بعد ما تعلم من تظاهر (١) الفرش والمرافق والسّرر والخدم، فصاروا جيفا فى بطون الأراضى تحت مهادها، والله لو كانوا إلى جانب مسكين لتأذّى بريحهم بعد إنفاق مالا يحصى عليهم وعلى خواصّهم من الطّيب، كل ذلك إسرافا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ما أعظم الذى ابتليت به، وأفظع الذى سيق إليك من أمر هذه الأمة! أهل العراق: وأهل العراق يكونوا من صدرك بمنزلة من لا فقر بك إليه، ولا غنى بك عنه، أهل العراق أبرهم منك منزلة من لا فقر بك إليه ولا غنى بك عنه فمن بعثت من عملك إلى العراق، فانهه نهيا شديدا شبيها بالعقوبة عن أخذ الأموال وسفك الدماء إلا بحقّها، المال المال يا عمر، الدم الدم يا عمر، فإنه لا نجاة لك من هول جهنّم من عامل بلغك ظلمه ثم لم تغيّره، وانه من بعثت من عمالك أن يعملوا بمعصية، أو أن يحكموا بشبهة، أو أن يحتكروا على المسلمين بيعا، فإنك إن اجترأت على ذلك أتى بك يوم القيامة ذليلا صغيرا، وإن تجنبت عنه عرفت راحته فى سمعك وبصرك وقلبك. ثم إنك كتبت إلىّ تسألنى أن أبعث إليك بكتب عمر وبقضائه فى أهل القبلة، وفى أهل العهد، وإن عمر رضى الله عنه عمل فى غير زمانك، وعمل بغير رجالك، وإنك إن عملت فى زمانك على النحو الذى عمل عمر بن الخطاب فى زمانه بعد الذى
(١) يقال: ظاهر بين ثوبين، إذا طابق بينهما ولبس أحدهما على الآخر، وكأنه من التظاهر وهو التعاون والتساعد.