للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتوكّف (١) مناجاة الملك، فقلت: ذاك أمر طواه الله بعد نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أكان الأمر معقودا بأنشوطة، أو مشدودا بأطراف ليطة (٢)؟ كلا! والله لا عجماء بحمد الله إلا وقد أفصحت، ولا شوكاء (٣) إلا وقد تفتّحت، ومن أعجب شأنك قولك: ولولا سالف عهد، وسابق عقد، لشفيت غيظى بخنصرى وبنصرى، وهل ترك الدين لأهله أن يشفوا غيظهم بيد أو بلسان؟ تلك جاهلية وقد استأصل الله شأفتها واقتلع جرثومتها، وهوّر ليلها، وغوّر سيلها، وأبدل منها الرّوح والرّيحان (٤)، والهدى والبرهان، وزعمت أنك ملجم، ولعمرى إن من اتقى الله، وآثر رضاه، وطلب ما عنده، أمسك لسانه، وأطبق فاه، وغلب عقله ودينه على هواه، وجعل سعيه لما وراه.

وأما قولك: إنى لأعرف منزع قوسى، فإذا عرفت منزع قوسك عرف غيرك مضرب سيفه، ومطعن رمحه، وأما ما تزعمه من الأمر الذى جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لك فتخلّفت إعذارا إلى الله وإلى العارفة به من المسلمين، فلو عرفه المسلمون لجنحوا إليه وأصفقوا عليه، وما كان الله ليجمعهم على العمى، ولا ليضربهم بالضلال بعد الهدى، ولو كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيك رأى، وعليك عزم، ثم بعثه الله، فرأى اجتماع أمته على أبى بكر لما سفّه آراءهم، ولا ضلّل أحلامهم، ولا آثرك عليهم، ولا أرضاك بسحطهم، ولأمرك باتباعهم والدخول معهم فيما ارتضوه لدينهم».


(١) التوكف: التوقع والانتظار.
(٢) الأنشوطة: عقدة تحل إذا جذب أحد طرفيها.
والليطة: قشرة القصبة.
(٣) أى ولا نبتة شوكاء يريد ذات شوك، والذى فى كتب اللغة «شجرة شاكة بتخفيف الكاف وشوكة كفرحة وشائكة ومشيكة بضم فكسر: ذات شوك، وحلة شوكاء: عليها خشونة الجدة، أقول: وقد لوحظ فى وضع شوكاء للحلة الجديدة أن ملمسها خشن كأنه مغشى بالشوك.
(٤) الشأفة: الأصل، وقرحة تخرج فى أسفل القدم فتكوى فتذهب، واستأصل الله شأفته: أزاله من أصله: أو أذهبه كما تذهب تلك القرحة. وجرثومة الشئ: أصله، وهوره: أزاله وأذهبه. من هور البناء إذا هدمه، وفى ابن أبى الحديد «ونور ليلها» والروح: الراحة. والريحان: الرزق الطيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>