للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن متحنا أروينا، وإن قرحنا (١) أدمينا، وقد سمعت أماثيلك التى لغّزت (٢) بها صادرة عن صدر أكله الجوى، ولو شئت لقلت على مقالتك ما إن سمعته ندمت على ما قلت، وزعمت أنك قعدت فى كسر بيتك لما وقذك به رسول الله صلى الله عليه وسلم من فقده، فهو وقذك ولم يقذ غيرك؟ بل مصابه أعظم وأعمّ من ذلك، وإن من حقّ مصابه أن لا تصدع شمل الجماعة بفرقة لا عصام لها (٣)، ولا يؤمن كيد الشيطان فى بقائها، هذه العرب حولنا، والله لو تداعت علينا فى صبح نهار لم نلتق فى مسائه، وزعمت أن الشوق إلى اللّحاق به كافّ عن الطمع فى غيره! فمن علامة الشوق إليه نصرة دينه ومؤازرة أوليائه ومعاونتهم، وزعمت أنك عكفت على عهد الله تجمع ما تفرق منه، فمن العكوف على عهد الله النصيحة لعباد الله، والرأفة على خلق الله، وبذل ما يصلحون به، ويرشدون عليه، وزعمت أنّك لم تعلم أن التظاهر وقع عليك، وأىّ حقّ لطّ (٤) دونك؟ قد سمعت وعلمت ما قال الأنصار بالأمس سرا وجهرا، وتقلّبت عليه بطنا وظهرا، فهل ذكرتك أو أشارت بك أو وجدت رضاهم عنك؟ هل قال أحد منهم بلسانه إنك تصلح لهذا الأمر؟ أو أوما بعينه؟ أو همهم (٥) فى نفسه، أتظن أن الناس ضلّوا من أجلك، وعادوا كفارا زهدا فيك، وباعوا الله تحاملا عليك؟ لا والله، لقد جاءنى عقيل بن زياد الخزرجىّ فى نفر من أصحابه، ومعهم شرحبيل بن يعقوب الخزرجى وقالوا: إن عليا ينتظر الإمامة، ويزعم أنه أولى بها من غيره، وينكر على من يعقد الخلافة، فأنكرت عليهم، ورددت القول فى نحورهم حيث قالوا: إنه ينتظر الوحى،


(١) ورى الزند كوعى وولى: خرجت ناره وأوريته. متح الماء كمنع: نزعه. قرحه كمنع أيضا: جرحه.
(٢) الأماثيل: جمع أمثولة بالضم، تمثل إذا أنشد بيتا ثم آخر. ثم آخر وهى الأمثولة.
وفى ابن أبى الحديد «أمثالك التى ألغزت بها» وألغز كلامه وفيه ولغز: عمى مراده.
(٣) العصام: حبل تشد به القربة. ورباط كل شئ.
(٤) لط حقه: جحده، وفى ابن أبى الحديد «وزعمت أن التظاهر عليك واقع، أى تظاهر وقع عليك: وأى حق استؤثر به دونك؟ ».
(٥) الهمهمة: الكلام الخفى، وفى صبح الأعشى «أوهم».

<<  <  ج: ص:  >  >>